يوميات رئيس منتخب … / أحمد ولد باب أحمد ولد حم الامين

دخلت موريتانيا بعد انقلاب اغشت 2008 مرحلة غيرمسبوقة من التأزيم السِّياسي والتأجيج الإجتماعي، ألقَتْ بظلالها القاتِمة على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والأمنية للمواطن الموريتاني، وكان من أبرز تجليات تلك الحقبة تصَدُّع الجبهة الداخلية وانقسام النُّخَب السياسية، وانبِعاث الحركات الحقوقية النابعة من تنامِي خطابات الكراهية والمهددة لكيان الأمة والمزعزع لهيبة الدولة. كل ذلك مع تكريس سلطوية الفرد المفضية في النهاية الى تقهقر السير المُضْطرد لمؤسسات الدولة الدستورية والخدمية.

هذا الواقع – الذي بلغ مرحلة النضج بحلول عام 2019 – كان قاب قوسين أو أدنى من أن يقضيَ على الأخضر واليابس لولا أنْ برزَ نورٌ في نهاية النفق تمَثَّل في إعلان الأخ/ محمد ولد الشيخ الغزواني، ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، وذلك بعد فراغه من تنظيم المؤسسة العسكرية والأمنية (2008 – 2018)التي مَثلت بحـقٍّ صمَّام أمْنٍ وأمان وعملت بقوة وانسجام على صوْن مكتسبات الدولة والسهرعلى استمرار وجودها.

لقد كان خطاب إعلانه الترشحَ، فاتح مارس 2019 بارقة أمل للموريتانيين على مختلف مستوياتهم وانتماءاتهم السياسية، نظرا لما يحمل من مؤشرات الهدوء والطمأنة والتصالح مع التاريخ ووحدة النسيج الاجتماعي في إطار الدين والهوية والقيَّم والثوابت الإنسانية. حيث جاء في ديباجته ما نصه:

“أيھا الإخوة والأخوات، أيھا الشعب الأبي الكريم، إيماناً مني بضرورة رفع التحديات الماثلة ومواجھة المخاطر المحدقة، قرَّرتُ مستعینا بالله تعالى، متكلا علیه، الترشح لنیل ثقتكم في الإنتخابات الرئاسیة القادمة، آملا أن تمنحوني – وإن لم أكن أفضلكم – الفرصة لأخدم وطني، وفي الذھن جسامة المسؤولیة. وأتعھد وللعھد عندي معناه – أن أوظف بصدق وجد وإخلاص ما مَنَّ الله به عليَّ من تربیة وتكوين وتجربة وخبرة في مفاصل الدولة، في سبیل معالجة مكامن الخلل وسد مواطن النقص أيا تكن، وتحقیق طموحنا المشروع في بناء مجتمع عصري، يستمد قوته من قیمه الإسلامیة وأصالته، ويكفل لكل مواطن حقه في الحرية والمساواة والرفاه.” أ هـ الاستشهاد.

لقد اختصرت هذه الفقرة من الخطاب الافتتاحي لفخامة رئيس الجمهورية الأبعاد الثلاثة الكبرى والتي ستؤسِّس – من منظوره – لموريتانيا الجديدة وهي (رفع التحديات الماثلة، مواجهة المخاطر المحدقة، و بناء مجتمع عصري).

وفور تسلمه لمقاليد الحكم بادر فخامة الرئيس إلى تنفيذ تلك الأبعاد الاستراتيجية على أرض الواقع ففي مجال “رفع التحديات الماثلة” – وفي سابقة قلَّ نظيرها-  قام بتوطين الرأي والرأي المخالف؛ من خلال توطيد تهدئة بين الفرقاء السياسيين مهدت لاستعادة الثقة والاحترام، وأتاحت فُرَص الحوار، ورسَّخت سُنة التشاورالمستمر بمقاربة: (الأذُن الصَّاغية، والباب المفتوح)، ولم يقتصر التشاور على الميدان السياسي فحسب؛ بل طال الهمومَ والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية للشَّعب؛ فانتظمَت لذلك الغرض منتديات حول إصلاح القضاء، وأخرى للرُّقي بالتعليم، والتأمت أيام تشاورية مختلفة حول الاستراتيجية الوطنية لقطاعات حيوية وانتاجية كالصيد والمعادن والثروة الحيوانية…، ودعما لمسار الإصلاح تم إلزام الإدارة العمومية عبر مفاصلها وامتداداتها لتكون في خدمة المواطن؛ تسهر على أمنِه  وتهتم براحته. كل ذلك مع العمل الجاد على مكافحة الفساد وحماية وتأمين المال العام، من خلال مراجعة صارمة للترسانة القانونية والتنظيمية ذات الصلة بالصفقات العمومية وتفعيل مؤسسات الرقابة وإعادة تنظيمها لتتمكن من أداء وظائفها على أكمل وجه. وفي تنفيذ مشروعه المجتمعي عمد فخامة الرئيس الى تنظيم وعصرنة هيئات المجتمع المدني، للاستفادة من قدراتها الكامنة من جهة ولتتبوَّأ مكانتها الموازية في عملية التنمية والحكم الرشيد من جهة أخرى.

ونظرا لحسِّه الأمني، وإدراكا للتغيرات الإقليمية والدولية؛ استشعر رئيس الجمهورية جملةً من “المخاطر المُحْدقة”  بالبلاد مثل:

جائحة كورونا المستجد والتي بدأت من إرهاصاته من مدينة وُوهان الصينية سنة 2019 ،

أزمة الغلاء العالمية،

التحديات الأمنية الناتجة عن ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وهي لعمري تحديات أهلكت الحرث والنسل في كثير من البلدان، وأربكت المنظومة الدولية وشلت الاقتصاد العالمي. ففي إطار التصدي لجائحة كوفيد 19  التَحم الشعب الموريتاني قمة وقاعدة، بكل فعالياته وقِواه الحية صفا واحدا وفي مقدمته كتائب الجيش الأبيض الذي قدم هو الآخر صُورا فريدة في التضحية والفداء إلى أن تم الاجهاز – ولله الحمد – على آخر فيروس من الوباء.

ومن جهة أخرى فبالرغم من عدم استقرار الأوضاع في بعض دول الجوار فقد اثبتت الخطة الأمنية الداخلية نجاعة كبيرة سواء تعلق الأمر بضبط الحدود والمنافذ والمعابر الوطنية أو بتأمين المواطنين وممتلكاتهم في المدن والأرياف الى أن اصبحت بلادنا ولله الحمد واحة أمن وأمان وسِلمٍ واطمِئنان شهد بها القاصي والداني.

وللتخفيف من حدة هذه الأزمات المتزامنة على بلادنا، والحد من تبعاتها الاجتماعية أقرَّ فخامة الرئيس خطة متكاملة، تؤازرُ المواطنين على مواجهة الآثار المترتبة على تلك المخاطر وتحد من إكراهاتها الإقتصادية والإجتماعية، حيث أمر بدعم القوة الشرائية بزيادة الأجور والمعاشات والمحَفِّزات المهنية، ناهيك عن تثبيت الأسعار عن طريق دعم المواد الضرورية وتوفيرها بأسعار مخفضة على عموم التراب الوطني فضلا عن التوزيعات المجانية والتحويلات النقدية للأسر الفقيرة والمتعففة وتمويل المشاريع المُدرة للدخل (الصغيرة والمتوسطة)، والتكفل بالتأمين الصحي والضمان الإجتماعي لقرابة ربع السكان لاسيما المُسِنين والمعاقين والمصابين بالأمراض المزمنة.

ولم يغب عن اهتمام فخامة الرئيس أن بناء مجتمع عصري يحتاج خلقَ إرادة سياسية تضمن القطيعة مع التوتير والاحتقان، تعزَّزُ من خلالها المكاسب الديمقراطية وتوطّد دولة القانون والمؤسسات وتُقوي دعائم العيش المشترك المبني على أسس الدين الاسلامي والهوية العربية والافريقية ، ومن تلك المنطلقات والثوابت ترجمت التعهدات الى انجازات محسوسة بناء على مطالب الشعب من خلال نُخَبه السياسية وفاعليه الاقتصاديين والاجتماعيين؛ فأُطلِق التشاور السياسي والحوار الاجتماعي والنقابي، وتم استثمار وتثمين التنوع الثقافي للبلاد واستحضار ألقِها الحضاري في مهرجانات مدائن التراث، والسنونكى وجول، بإشراف مباشر من رئيس الجمهورية وقد تحولت هذه المهرجانات من مجرد مواسم هامشية عابرة، الى منصات تنموية ورافعات اقتصادية وسياحية زاخرة بالنماء والعطاء.

كما أن تثمين رأس المال البشري – هو الآخر- من أهم الثوابت المنهجية التي يمكن أن تسهم بفعالية في إنتاج المجتمعات العصرية، وعلى ذلك الأساس أرسى فخامة الرئيس دعائم المدرسة الجمهورية الشاملة التي لاتعبأ بغير المُثل الإنسانية المحضة باعتبارها السبيل الأوحد لإنتاج مواطن يجمع بين الجسم السليم والعقل السليم، كل ذلك مع الإرتقاء بمؤسسة الإعلام العمومي والتي كُرِّست كل إمكاناتها لتكون هي الأخرى مدرسة جمهورية لتنوير وتأطير وتوجيه المواطن أينما حل وارتحل، ومن أجل مواكبة حركة العولمة وبفضل توجيهات رئيس الجمهورية نجحت بلادنا في ادخال الشفرة الخاصة بالتحول الرقمي بشكل آمن وذلك عبر بوابة عصرنة الإدارة لضمان الاستفادة من تقنيات الإعلام والاتصال في الحياة العامة  سواء في مجال تحديث برامج الحالة المدنية مثلا أو ترقية أنظمة الدفع الالكتروني والولوج الى الخدمات الأساسية … كما استفادت سوق العمل العمومية والخصوصية من ضخ دماء جديدة وكفاءات متنوعة وشابة – تحسب بالآلاف – في مفاصلها المختلفة الأمنية والخدمية استفادت من التأهيل والتكوين المكثف المناسب لتضطلع بالأدوار الموكلة إليها.

وفي إطار تطوير وعصرنة البنى التحتية تم انجاز وترميم أجزاء هامة من الشبكة الوطنية مثل (طريق الأمل، طريق انواذيبو، وطريق روصو) فضلا عن اطلاق أوْراشٍ كبرى لبناء طرق أخرى داخل الوطن، إضافة الى توسيع وتدعيم المحاور الطرقية بالعاصمة وبعض عواصم الولايات مع اطلاق مشاريع عملاقة لبناء ثلاثة جسور في انواكشوط مع تنفيذ برنامج لفك العزلة عن مجموعة من المدن والقرى، كما عرفت المنشآت العمومية هي الأخرى تطورا ملحوظا حيث شيدت عشرات المؤسسات التعليمية والمراكز الصحية، وتم بناء العديد من المرافق الحكومية بنواكشوط والداخل وتم توسيع وترميم شبكات الماء والكهرباء والاتصالات.. وكان آخر ما أشرف عليه فخامة رئيس الجمهورية هو مشروع الصرف الصحي لمدينة انواكشوط، الذي ستتولى جمهورية الصين الشعبية انجازه في أقرب الآجال.

تلك يوميات زاخرة بالعمل، حافلة بالعطاء وحضور المنجز … يوميات كسرت هواجس وتحديات ماثلة وتراكمات سياسية واجتماعية موروثة  – وفي مستهل المأمورية – صمدت تلك اليوميات أمام أعتى وأحلك المخاطر التي شهدها القرن، ومع أن المخاض كان عسيرا  فقد كانت الحكمة والتروي والثقة بالله تعالى والاعتماد عليه والاخلاص للشعب خير وقود اعتمد عليه فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني .  يوميات أظهرت مكانة التعهد ومعنى العهد وأثبتت أن قيمة الحاكم تقاس بخدمته لرعيته وسهره على أمنها وصون مصالحها، فتلك علاقة وثيقة وأخوة شقيقة تجعل القلوب مولعة بحب من أحسن إليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى