عبد الرحمن ولد ودادي يكتب: التدمير عبر القدوة السيئة
ظهرت في موريتانيا حالات عديدة من الانبثاق المفاجئ لأصحاب ثروات ضخمة يتقصدون إظهارها ويتحولون الى مغناطيس لجذب الطفيليات الاجتماعية من المستعدين لبذل ماء الوجه مقابل هدايا من الأموال مشبوهة المصدر.
أول هذه الحالات التي عاصرتها كانت كونكورد ڨي الذي خرج علينا فجأة وبدون مقدمات في أواخر الثمانينات وما زلت أتذكر أحاديث الصالونات عن كرمه الأسطوري وتوزيع الملايين على كل من يلتقيه وقدراته الخارقة للطبيعة التي جعلت رؤساء دول يطلبون بركاته وازدحام الطوابير أمام منزله على طريق البحر، ووصل به الأمر إلى منح رئاسة الجمهورية أسطولا من السيارات الأمريكية بسقف قابل للطي ظلت لسنوات في الخدمة تذكرنا بالمستوى الذي وصلت له موريتانيا.
إحدى هذه الحالات كانت مجموعة شباب ظهروا في نواذيبو بدون مقدمات يلقون الملايين في الأعراس ويهبون مهورا خيالية وسيارات فارهة وأطقما من المجوهرات لا تقدر بثمن ويتزاحم على بيوتهم اصحاب الحاجات ويعطون عطاء من لا يهاب الفقر.
طبعا هنالك العشرات من الحالات التي لم تصل لألق الشباب الذي ظهر في نواذيبو ولا كونكورد قي ويحضرني شاب صاحب سوابق عدلية تحول فجأة الى أحد أصحاب الملايين ومقصدا للمطبلين وزعمت الحاشية التي صنع من حوله أنه صار من أصحاب الأسرار الخفية وسخر أمراء من الخليج يهبونه الأموال الطائلة.
انتهت قصة الشباب الذين ظهروا في نواذيبو بكشف عمليات تهريب ضخمة للسم الأبيض وق..ت….ل أجنبي في قارب على الشواطئ الموريتانية بعد أن دبت الصراعات بين الجماعة ولم تتم محاسبتهم، وأنتهى جميعهم فقراء معدمين وكان آخر ذكر لأحدهم بعد أن قبض عليه من فترة قصيرة في عملية تهريب للسموم مع حدودنا الشمالية أيام مشكلة معبر الكركرات .
أما صاحب الكرامات الظاهرة ومن ادعت حاشيته تسخير أمراء الخليج فرفعت عليه قضية من أمير سعودي بتهمة النصب والاحتيال وتمت مصادرة ثروته وامتلأت الصحف المحلية بالمقالات حول القضية لدفاع صاحب السمو الضحية والردود عليه ،أما كونكورد قي فتوفي إثر مرض عضال معدما لا يسأل عنه سائل في سجن بالإمارات العربية المتحدة.
البعض لا يدرك أن السر في هذا الكرم المفاجئ والاستعراض لأصحاب الأموال ذات المصادر الإجرامية يهدف الى توريط أكبر عدد من الناس في علاقة معهم وتصويرهم ككتلة اجتماعية أكبر من الحجم الحقيقي للاحتماء من المحاسبة من خلال الهيلمان المصنوع بالمال الحرام وتراهم دوما يبالغون في التودد للأنظمة القائمة بالمنح والتصفيق والهبات لكل من له علاقة بالسلطة وإظهار الاستعداد لتسخير امكانياتهم لمصلحتها.
علمتنا التجربة أنه كلما كان الاستعراض بالأموال أكبر كلما كان مصدر الأموال أقذر. والجرم الممارس للحصول عليها أخطر.
كانت نهاية كل أصحاب الثروات المفاجئة والاستعراض الاستفزازي للثروات كارثية، ولكن الضرر الأكبر من السكوت عنهم وعدم الاقتداء ببقية دول العالم في تتبع مصادر الأموال المشبوهة تحول لمصيبة على المجتمع.
قيم التظاهر بالثروات والمغالاة في المهور والبذخ الاستفزازي في واحد من أفقر بلدان العالم تحول الى سوس ينخر جسم المجتمع ويدمر الأسر ويعرقل الزواج وقاد الكثيرين للإفلاس لمحاولتهم الاقتداء بأصحاب الأموال ذات المصدر الإجرامي.
أصبح حلم تجارة الممنوعات وباء انتشر بسرعة بين الشباب واقتنعت أعداد كبيرة بأن الجريمة هي الطريق الأمثل لبناء الثروة والمكانة الاجتماعية وهبطت قيمة العلم والعمل الجاد وسقط أفراد كثيرون في قبضة العدالة بعد دخولهم في عمليات تهريب دولي في محاولة لتقليد شباب الممنوعات، وتحول النصابون الى قدوة لمئات الموريتانيين إن لم أقل الآلاف وقل أن يمر شهر بدون أن نسمع عن عملية نصب تورط فيها أحد أبناء البلد ويندر ان تجد فندقا في المدن التي يرتادها العرب والأفارقة لا يوجد فيه نصاب موريتاني.
أمم العالم أجمعت على ضرورة التحقق من مصادر الأموال بعد أن أدركت أخطار ما ينتج من أضرار جسيمة بسبب الأموال القذرة على امن واستقرار المجتمعات.
لا مفر لموريتانيا من الاقتداء ببقية العالم لإيقاف الضرر القاتل على المجتمع عبر التدمير بالقدوة السيئة وتأجيج الحقد الاجتماعي والطبقي بسبب البذخ الاستعراضي والاستفزازي في مجتمع معظمه يكابد المشاق من أجل لقمة العيش، وقبل ان تنفجر فضائح ضخمة كما جرت العادة بعد كل ظهور مفاجئ لأصحاب الثروات المشبوهة مما قد تتأذى منه سمعة الدولة ويضر بمعاملاتها الدولية والاستثمار فيها والمعاملات معها.
# الأيام نت