مهرجان لحويطات موسم للثقافة والتاريخ التليد/زين العابدين محمد العباس

لحويطات حاضرة وادعة شُيدت على العُدوة العليا لوادي لگصور الذي يخترق معظم سهول وواحات وسط وشمال هضبة تگانت، عرفت لحويطات بمواسم الخير التي لم تتوقف عن الانعقاد منذ نشأتها في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، وبقيت لحويطات على عهدها تتألق في سموات المجد والعطاء إلى أن أزفت ساعة استحداث موسم لحويطات الثقافي السنوي [مهرجان لحويطات للثقافة والتنمية] الذي طالما انتظرته الساكنة لإحياء القرية وابتعاث ألقها التاريخي والثقافي من جديد.

ابتعاثًا للأمجاد من مرقدها، والعودة بها بعد حين لتضيء الأفق الثقافي وتبعث الحياة في ثمرة جهد جهيد. يتوخى أبناء القرية من خلالها توثيق جانب من تراث لحويطات اللامادي الدال على غنى ثقافتها بمختلف مشاربها وصورها. ولا يرقى الشك إلى كون هذا الإنجاز الفخم يعد أبرز شاهد يؤرخ ويوثق هذا الإرث الثقافي الجدير بالعناية والرعاية وتجاوز منطق التعاطي معه من زاوية احتفالية إلى آفاق التثمين وتسويق المنتجات التراثية، وجعلها مادة مغرية تسُر الناظرين إليها من السياح والزائرين.

لحويطات لوحة تراثية بِريشة أكثر من فنان تتعدد زوايا النظر إلى موروثها الحضاري تعددًا يفضي إلى اختلاف في التقييم يختزله المثل الحساني المشبع بالمعاني القائل : “العين شَكّْتْها وَحْدَه وْ نَظْرْتْهَا مَاهِي وَحْدَه” أي أن العين شُقت وخلقت بطريقة واحدة، لكن نظرتها ورؤيتها للأمور والأشياء ليست واحدة !، ومهما اختلفت الرؤى فإن مهرجان لحويطات للثقافة والتنمية [لقاء الأهل] في نسخته الثالثة رؤية مشتركة للجميع ودليل عملي يترجم غنى التراث والثقافة المحلية شفهيًا وبصريًا وجماليًا، ويستلهم الروح الجماعية التي تمثل النسق الساري في أوصال مجتمع لحويطات.

وملاك الأمر، أن أهل لحويطات يعرفون الجمال بكل أجزائه وتفاصيله كما يعرفون أبناءهم، وقد سموا كل الأشياء بأسمائها وعلموها أبناءهم، فتناقلتها الأجيال شفاهة من فمٍ لأذن، وتلك ميزة ثقافية لم تشب بعدُ في أغلب عناصرها عن طور الشفاهية لتنتقل إلى طور الكتابية والتدوين.

مهرجان لحويطات للثقافة والتنمية؛ معرض مفتوح عامر شامل للعناصر التراثية، سواء منها المنقرضة التليدة أو المستحدثة الجديدة، ورغم لمسات التحديث التي مست الشكل، فإن الجوهر – المميز له والمعبّر عن الهوية – بقي قائمًا، مسترعيًا للانتباه، فقد تفننت أيادي صناع وحرفيي لحويطات في إضفاء مُسح جمالية على الأشياء التراثية المتوارثة دون أن تفسد أو تغير من أصالتها شيئًا.

وفضلًا عمّا سلف ذكره، تنبع القيمة الجمالية لموسم لحويطات الثقافي في تعدد فنون القول والأداء، شعرًا وحكايةً وغناءً ورقصًا وهلمَّ جرّا؛ حيث تبدع حناجر الشعراء والمطربين في التغني بها إمتاعًا وانقشاعًا لسُحُب الكرب والكدَر التي تغشى النفوس الكالَّة منها والكَسول.

وللشعر بشقيه العربي والحساني مرتع خصب ومنبع ثرٌّ للأحاسيس والمشاعر والقيم حُبًّا وفخرًا وفروسيةً وشحذاً للهمم، تزيده شاعرية المكان (الخيمة) وحسن جمال الزمان (الليل) رونقًا وإمتاعًا، خاصة حين ينبري المطربون إلى الإنشاد والتغني سٍراعًا، عُدَّتهم في ذلك آلات أصيلة لا تفارق أهل لحويطات والمطربين منهم خاصة حلّا وترحالًا وانتجاعًا، وليس خافيًا أن معظم الفنون الأدائية عند أهل لحويطات لا تؤدى إلا جماعة تناسقًا مع طبيعة المجتمع الأهلي المؤسس على التعاون والتضامن والاجتماع في السراء والضراء، إذ المبدأ عندهم أن “حِمل الجماعة ريش “. ولا شك أن سباق “لَزْ لْبْلْ”، يمثل صورة حية للعمل الجماعي القائم على بث روح التنافس الإيجابي.

ليبقى مهرجان لحويطات للثقافة والتنمية بطاقة تعريف متجددة بتاريخ وتراث وحضارة وثقافة لحويطات، تأسيسًا لعمل تعارُفي وتمهيدًا لعمل تعاوني في المستقبل مع المهتمين بالشأن الثقافي والتنموي داخليًا وخارجيًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى