هل “باتريوت” سلاح سحري.. الأمريكيون أنفسهم وليس بوتين فقط يشكّون في ذلك!

أعرب خبراء أمريكيون عن شكوكهم في أن عدد أنظمة “باتريوت” والكيفية التي ستتكامل بها مع سلاح الدفاع الجوي الأوكراني يمكن أن تغير من سير الأحداث على أرض المعركة.

جاء ذلك فيما نشره موقع Military Watch، الذي ذكر أنه، وعلى الرغم من عدم الكشف عن كمية أنظمة “باتريوت” التي سيتم توريدها إلى أوكرانيا، إلا أن الرقم المعلن لقيمتها (1.85 مليار دولار) يشير إلى أن كمية هذه الأنظمة لن تكون بالقدر المؤثر، ما لم يتم توقيع صفقات متتابعة في المستقبل.

فعلى سبيل المثال، وفقا للموقع، كلف عقد رومانيا للحصول على 7 وحدات من “باتريوت-3” فقط 3.9 مليار دولار، فيما كلفت صفقة بولندية حديثة لنفس النظام 4.75 مليار دولار. وعلى الرغم من الترحيب بصواريخ باتريوت باعتبارها “السلاح السحري”، الذي سيغير من سير المعارك، إلا أن النطاق الصغير الذي سيتم فيه إدخال الـ “باتريوت” إلى الميدان بالتكامل مع أنظمة “إس-300” التي كانت أوكرانيا تعتمد عليها سابقا، يعني أن استبدال شبكة “إس-300” لا يزال غير مجد، فضلا عن سجل أداء نظام الصواريخ الأمريكية ضد الهجمات، والذي يعد بدائيا بالنسبة للصواريخ الروسية التي بإمكان روسيا أن ترفع فعاليتها مرارا بشكل جدي.

وقد شهدت “باتريوت” القتال لأول مرة خلال حرب الخليج عام 1991، حيث كان هدفها الأساسي هو صاروخ “سكود – بي” Scud B السوفيتي، وهو الصاروخ السوفيتي الذي دخل الخدمة لأول مرة في عام 1964، وبحلول التسعينيات من القرن الماضي كان أبعد ما يكون عن أحدث التقنيات. وعلى الرغم من وصف أداء “باتريوت” بأنه “ناجح”، إلا أن التحقيقات اللاحقة في أدائه وجدت أن تلك المعلومة لم تكن دقيقة، حيث أفادت اللجنة الفرعية للعمليات التابعة للحكومة الأمريكية والمعنية بالتشريع والأمن القومي بالتغطية الحكومية على نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت” وقدراته، وجاء في التقرير: “لم يكن نظام صواريخ (باتريوت) هو النجاح الباهر في حرب الخليج الذي كان الجمهور الأمريكي يعتقده. وكان هناك القليل من الأدلة التي تثبت أن (باتريوت) أصاب أكثر من بضعة صواريخ (سكود) التي أطلقها العراق خلال حرب الخليج، وهناك بعض الشكوك حول هذه الاشتباكات. لقد تم تضليل الجمهور والكونغرس بتصريحات نهائية للنجاح صادرة عن الإدارة وممثلي شركة (ريثيون) أثناء الحرب وبعدها”.

كذلك ذكر تقرير عسكري بعنوان “فعالية نظام صواريخ باتريوت أثناء عاصفة الصحراء”Patriot Missile System Effectiveness During Desert Storm، نشر في 1992، أن من بين 185 صاروخا أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية من أنظمة “باتريوت” خلال حرب الخليج، أطلقت 45% منها ضد أهداف خاطئة، فيما أفاد تقرير أعده خبير الأسلحة النووية ورئيس صندوق Ploughshares جوزيف سيرنسيون، عام 1992، بأن لجنة العمليات الحكومية في مجلس النواب صرحت بشأن أداء “باتريوت” بأنه بسبب الأضرار المحدودة التي سببتها صواريخ “سكود”، فإن الجمهور كان مضللا ليعزو ذلك لا إلى محدودية قدرات العراق، وإنما إلى نجاح نظام “باتريوت”. وفي غضون ذلك، تم تجاهل “الدليل على عكس ذلك”، أو رفضه. ليتابع التقرير: “لقد كانت صواريخ سكود غير دقيقة إلى حد بعيد، وسقط معظمها في البحر أو الصحراء، وهو ما يفسر عدم تسبب الصواريخ العراقية في مزيد من الأضرار، على الرغم من ضعف قدرات صواريخ (باتريوت)”.

وأبرزت دراسة أجريت في أوائل التسعينيات عن أداء أنظمة باتريوت في حرب الخليج من قبل ثيودور بوستول، أستاذ العلوم والتكنولوجيا والأمن الدولي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن “معدل اعتراض باتريوت خلال حرب الخليج كان منخفضا للغاية، حيث تشير الأدلة من هذه الدراسات الأولية إلى أن معدل اعتراض باتريوت يمكن أن يكون أقل بكثير من 10%، وربما حتى صفرا”. وعلى الرغم من “الأداء المعجزة للـ (باتريوت)” الذي أشاد به الجيش الأمريكي ومنتج السلاح (رايثيون)” خلص بوستول إلى أن النظام كان قد فشل في إسقاط صاروخ “سكود” عراقي واحد، مشيرا إلى أنه “أكثر الأعداء بدائية” كان بإمكانهم التهرب بسهولة من نظام باتريوت.

وعلى الرغم من أن أداء “باتريوت” في حرب الخليج كان موضع تساؤل، كان من المأمول أن يجعل تحديث النظام في العقود اللاحقة أكثر موثوقية، على الأقل ضد صواريخ “سكود” الأساسية التي لا يزال يعتمد عليها على نطاق واسع في عدة قارات. إلا أن هذه الآمال تحطمت إلى حد كبير بسبب فشل النظام في اعتراض ضربة بصواريخ بدائية أطلقها الحوثيون ضد المملكة العربية السعودية عام 2017، وكذلك استهداف مطار الملك خالد الدولي في الرياض، فيما أظهرت صور الأقمار الصناعية أن صواريخ الحوثيين لم يتم تحييدها، وبدلا من ذلك، مثل الكثير من صواريخ “سكود” العراقية، سقطت في مكان قريب بسبب ضعف الدقة، وليس بسبب اعتراض “باتريوت”. وأكد ذلك تحليل الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالضربات التي نشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أظهر التحليل الذي أجراه فريق بحثي من خبراء الصواريخ أن رأسا حربيا يحلق دون عوائق فوق المملكة العربية السعودية، على الرغم من ترسانتها الكبيرة من بطاريات “باتريوت” الحديثة، وخلص إلى أن الصاروخ اقترب من هدفه. بهذا الصدد صرح المحلل جيفري لويس، الذي قاد فريق البحث في فشل نظام “باتريوت” في أداء حتى أبسط عمليات الاعتراض وتصوير الفشل على أنه انتصار: “إن الحكومات تكذب بشأن فعالية هذه الأنظمة، أو أنهم أنفسهم مضَّلَلون، وهو ما يجب أن يقلقنا بشدة”.

منصة من منظومة "باتريوت المريكية

وبينما لم تثبت صواريخ “باتريوت” قدرتها على مواجهة صواريخ “سكود”، التي دخلت الخدمة في الجيش السوفيتي عام 1964، فإن أنواع الصواريخ الباليستية الموجودة في الترسانة الروسية الحالية هي أحدث بعدة أجيال، ومن المرجح أن يكون من المستحيل اعتراضها بشكل موثوق، حيث تستخدم الصواريخ المنطلقة من أنظمة “إسكندر” الروسية، على سبيل المثال لا الحصر، مسارات شبه باليستية منخفضة الأوج (القوس) بحيث يصل أوجها 50 كيلومترا فقط، وبإمكانها إجراء مناورات طيران واسعة النطاق طوال مسار الرحلة، ما يجعل من المستحيل غالبا حتى الإطباق عليها، ناهيك عن إسقاطها.

وفي الوقت الذي تعد فيه أنظمة الدفاع الجوي “إس-300” نظرا لأعدادها الهائلة، تحديا خطيرا للقوات الجوية الروسية، ما يرجع إلى حد كبير إلى افتقار الأخيرة إلى معدات قمع الدفاع الجوي المتخصصة، فمن المرجح أن تجعل عمليات نشر أنظمة “باتريوت” بأعداد محدودة للغاية من عملية تدميرها أمرا أبسط بكثير. لهذا فإن انتشار أنظمة “باتريوت”، وهو ما لا يتوقع حدوثه قبل منتصف عام 2023، يعني ببساطة أنه في حالة استمرار الحرب، فإن ذلك سيسمح لروسيا بتحقيق نصر نفسي كبير من خلال استهداف أنظمة “باتريوت” بسرعة بمجرد نشرها. علاوة على أن قيمة هذه الأنظمة باعتبارها من أغلى الأنظمة في مخزون أوكرانيا، وأهمية سمعة “باتريوت” نظرا لانتشارها من قبل الحلفاء الأمريكيين على مستوى العالم، يعني أن الوحدات القليلة المنتشرة من “باتريوت” على الأراضي الأوكرانية، سوف تكون نفسها تحت حماية أنظمة “إس-300” بشكل كبير لمنع الخسائر.

الشكوك الأمريكية بفعالية منظومة باتريوت الصاروخية تنسجم ما تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  حينما قال إن منظومة باتريوت الأمريكية قديمةٌ ولايمكن مقارنتُها بـ”أس ثلاثُمئة” الروسية، متوعدا بتدميرها حال تسليمها لأوكرانيا.

المصدر: Military Watch

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى