هل هناك محاولة للالتفاف على آراء المشاركين في التشاور حول التعليم؟
من يُطالع التقرير الذي أعدته وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي عن نتائج المشاورات الوطنية لإصلاح النظام التربوي لابد وأن يشعر بقلق كبير، فمن يقرأ هذا التقرير لن يحتاج إلى الكثير من الذكاء والفطنة لأن يكتشف بأن من تولى صياغته قد حاول وبشكل واضح أن يلتف على أراء المشاركين بخصوص النقطة المتعلقة بتدريس اللغات ولغة التدريس.
لقد كان الرأي السائد لدى المشاركين في مرحلتي التشاور الأولى والثانية بخصوص لغة التدريس وتدريس اللغات، وبنسبة ربما تفوق 90%، إن لم أقل بنسبة 100% هو أن اللغة العربية يجب أن تكون لغة تدريس المواد العلمية في المرحلتين الابتدائية والثانوية، وأن اللغات الوطنية (البولارية والسنونكية والولفية) يجب أن يتم تدريسها في كل المراحل، وأن يُدَرَّس بها كلما أصبح ذلك ممكنا.
هذا هو ما أوصى به المشاركون في التشاور الأخير، وهذا ما كان قد أوصى به المشاركون في المنتديات التي تم تنظيمها في العام 2013، ولأن من تولى صياغة التقرير النهائي في العام 2013 كان أكثر أمانة في نقل توصيات المشاركين فقد جاءت في التقرير توصية واضحة تطالب ب”ضمان التعليم باللغات الأم على جميع مستويات النظام التربوي”.
صحيحٌ أن توصيات منتديات 2013 لم يتم تنفيذها، إلا أنه يُحسب للقائمين على تلك المنتديات أمانتهم في صياغة التقرير النهائي الذي عبر وبوضوح عن توصيات المشاركين في تلك المنتديات بخصوص لغة التدريس وتدريس اللغات. فهل فقدنا تلك الأمانة عند صياغة التقرير المتعلق بتشاور 2021، خاصة وإذا ما علمنا بأن وعي المشاركين بأهمية التعليم باللغة الأم قد أصبح أقوى وأكثر وضوحا في العام 2021 مما كان عليه في العام 2013؟
هذا سؤال يمتلك أكثر من مبرر وجيه لنطرحه الآن.
صحيح أن تقرير تشاور 2021 كان أمينا في نقل أراء المشاركين بخصوص أهمية تدريس لغاتنا الوطنية (البولارية والسنونكية والولفية)، وتلك نقطة تحسب لمن تولى صياغته، ونحن نثمنها في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، ولكن الصحيح أيضا، وهذا مما يؤسف له، هو أن التقرير قد حاول أن يلتف وبشكل واضح على أراء المشاركين المتعلقة بتدريس اللغة العربية وتدريس المواد بها.
فهذا التقرير لم يُحدد لغة التدريس في المرحلة الإعدادية والثانوية، وترك هذه النقطة مبهمة تماما، بل إنه أشار إلى أن لغة التدريس يمكن أن تكون اللغة الفرنسية، وذلك عندما قال في إحدى فقراته : ” أن تُدّرس الفرنسية ابتداء من السنة الثانية الأساسية بصفتها لغة تواصل، ومن منظور إمكانية استخدامها لغة تدريس لبعض المواد العلمية في المراحل ما بعد الابتدائية”.
أخطر ما في هذا التقرير هو أنه ساوى بين اللغتين العربية والفرنسية، وجعلهما في نفس الرتبة عندما اعتبرهما لغتي تواصل لبعض الموريتانيين!!، فإذا كانت اللغة الفرنسية قد وُصفت في الفقرة السابقة بأنها لغة تواصل، فإن اللغة العربية ستوصف هي أيضا وفي فقرة لاحقة من التقرير بأنها مجرد لغة تواصل للأطفال غير الناطقين باللغة العربية!!
لقد جاء في إحدى فقرات التقرير : ” أن تُدّرس العربية لجميع الأطفال غير الناطقين بالعربية بوصفها لغة تواصل وبوصفها ناقلة لمضامين المواد الأخرى؛”.
فبأي منطق تكون اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، لغة تعبد كل الموريتانيين، ولغتهم الجامعة التي يكتبون بها من قبل مجيء الاستعمار، تعتبر مجرد لغة تواصل لغير الناطقين بها؟
من يُطالع هذا التقرير سيجد نفسه أمام خلبطة لغوية يصعب عليه أن يخرج منها بمعلومات أو توصيات واضحة لا لبس فيها.
اللافت للانتباه أن حديث التقرير عن تدريس اللغة الفرنسية ابتداءً من السنة الثانية من التعليم الأساسي لم يأت بجديد، فاللغة الفرنسية كانت تدرس في السنة الثانية منذ عقدين من الزمن، كما أن حديث التقرير عن تدريس اللغة الانجليزية ابتداءً من السنة الأولى إعدادية لم يأت هو أيضا بجديد، فذلك هو ما كان قائما منذ عقدين من الزمن تقريبا.
كنا ننتظر من هذا التقرير أن يعكس آراء المشاركين، وأن يخرجنا من هذه الخلبطة اللغوية التي نعيشها منذ عقود، وأن يحسم لغة التدريس بعد 60 سنة من الاستقلال، فذلك هو ما يقتضيه تحقيق السيادة اللغوية التي تحدث عنها التقرير في إحدى فقراته عندما قال بأنه : “لا مسّوغ بتاتا لئن تظل بلادنا بعد 60 سنة من الاستقلال السياسي عاجزة عن تحقيق سيادتها اللغوية.”
نرجو أن يكون القانون التوجيهي المنتظر أكثر وضوحا وأكثر حسما من التقرير بخصوص مسألة تدريس اللغات ولغة التدريس، كما نرجو أن يكون هذا القانون التوجيهي المنتظر أكثر تعبيرا عن آراء المشاركين في التشاور في مرحلتيه الأولى والثانية.
لقد آن الأوان لأن نخرج من هذه الثنائية اللغوية، ومن هذا التنازع غير المبرر في المكانة بين اللغة العربية واللغة الفرنسية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، والتي احتفلت منذ أيام بالذكرى الحادية والستين لاستقلالها، والتي يقول دستورها المعتمد منذ ثلاثة عقود في مادته السادسة : ” اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسنونكية والولفية واللغة الرسمية هي العربية”. وقد آن الأوان لأن تكون لنا لغة موحدة وجامعة في التعليم والإدارة، كأغلب دول العالم، مع منح لغاتنا الوطنية ما تستحق من مكانة واعتبار.
حفظ الله موريتانيا..
بقلم الكاتب محمد ولد الفاضل