بخصوص ترشيحات الحزب الحاكم في مدينة تمبدغة / د.عبدالرحمن بون
فإنك إلا ترض بكر بن وائل ** يكن لك يوم بالعراق عصيبُ
لم يستفد الحزب الحاكم من أخطاء الماضي، ولم يستوعب الدرس بعد، فقررت حليمة، أن تعود إلى عادتها القديمة .
تعاقبت عدة أنظمة وأحزاب، على حكم موريتانيا، كان بودِّ أغلبها تنحية أحمدو، ثم زالت تلك الأنظمة أو أزيلت، وظلت جذور تمتد في الأرض أطول من عمر الأحزاب .. وأقدم من تاريخه .. ضاربة في الأعماق متشبثة بهذه الأسرة العريقة، ممثلة في العمدة أحمدو ولد امحيميد، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
استطاع الرجل خلال العقدين المنصرمين انتزاع المدينة مرتين من الأحزاب الحاكمة، كان آخرها الانتخابات الماضية، حين قرر أحمدو مواجهة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ، ممثلا في الوزير الأول يحي ولد حدمين، ووزير الصحة السابق ولد جلفون، وجميع أجهزة نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز، الذي أصر على تغيير الوضع القائم في تمبدغة بالوعد والوعيد.
شكلت انتخابات 2018 تحديا كبيرا أمام الرجل، فالحزب الحاكم قرر ــ حينها ــ مواجهته من داخل أسرته “أهل امحيميد” .
أمام كل تلك التحديات ، والحصار المعنوي والاقتصادي ، وإقالة الأطر والموظفين الذين يظهرون الدعم والمساندة للرجل ، وزرع الشقاق في محيطه الاجتماعي ، استطاع انتزاع البلدية من نظام محمد ولد عبدالعزيز وحزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
لم يبادر العمدة أحمدو إلى اتخاذ هذه القرارات التي كلفته ثمنا باهضا، إلا بعد إظهار حسن النية ، فقررت تلك الأحزاب نزعت أيديها قبل أن ينزع ، وبادءته العداوة قبل أن يبادئ ، فكان عاقبة أمرها خسرا.
أماَّ اليوم فقد أبانت ترشيحات الحزب الحاكم، عدم رغبة الحزب بمنصب عمدة تمبدغة ولا بنائبيها، وعلى نفسها جنت براقش.
لم يعبأ الحزب الحاكم بكل المؤشرات والمعطيات على أرض الواقع، فالرجل لم يتخلف يوما عن الركب المساند لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ولم يأل جهدا في النزوع للألفة ، وانتهاج منهج الحكمة والحنكة السياسية ، في التعامل مع كل القضايا التي من شأنها خدمة النظام، كان آخرها استقباله للرئيس في مدينة النعمة، وبحشد تجاوز المائة سيارة، وخطابه أمام الرئيس ، الذي أكد من خلاله تثمين الإنجازات، وقبل ذلك تنظيم معرض تمبدغة، الذي أشرف رئيس الجمهورية على انطلاقته، وتمخضت عنه عدة قرارات هامة ، على رأسها استحداث وزارة للتنمية الحيوانية.
ولم يُقِم وزنا لساكنة المدينة ، التي عارضت الأنظمة من أجل “أحمدو” مرتين ، حتى ضد أبناء عمومته ، فكيف بالأغيار ؟ّ ،وتحملت تبعات “المغاضبة”.
في هذه المرة اختل ميزان “الإنصاف”، وغابت كل معايير العدل ، والقوانين السليمة لاختيار المرشحين، في تلك المدينة العريقة، عاصمة “إمارة الحوض” وعرين “أهل امحيميد”.
إن كان ميزان الاختيار بالقرب من المواطن فهو الأجدر، وإن كان بوفرة الحشد فهو صاحب الكلمة الفصل إن تكلم، واليد العليا إذا بادر، وإن كان بميزان الإنجازات، والعدل بين الرعية، والتعامل بالفضل والصبر والحلم :
فهو الفتى ابن جَلَاهَا وابن بجدتها * والماجد الفاضل العدل الرضا ابن رضا
وما خبر “تخطيط تمبدغة” عنا ببعيد.
وإن كان بالنظرة الاجتماعية، فالرجل سليل أمراء الحوض “أهل امحيميد” :
الأَكثَرين مُسَوّداً وَمُملَّكا ** وَمُتَوّجا في سالِف الأَعصارِ.
وقد جنى الحزب على نفسه، واضعا ثقته ونفوذه في مأزق حقيقي، حين قرر ــ ولأول مرة في تاريخ المدينة ـ خرق قانون الترشيحات، الذي سنته ساكنة المدينة واختارته لنفسها، والقاضي بانتخاب الأسرة الآنفة الذكر لمنصب العمدة.
وأخيرا يحق لنا التساؤل عن الأسباب التي دفعت الحزب الحاكم إلى التضحية بجميع دوائر مقاطعة تمبدغة ، ونزع أياديهم من يد لم تنزع ولم تبدل ؟!
هل ثمت أياد خفية تسعى للإطاحة بالنظام عن طريق هذه السياسات العرجاء ، سياسات الإقصاء والتهميش ؟!