رميته بعصا السنوار! / بقلم الكاتب محمد الأمين ولد الفاظل

في يوم الأربعاء 16 أكتوبر من العام 2024 استُشهد القائد العظيم يحيى السنوار في معركته الأخيرة مع العدو، وربما يكون رميه للعصا في اتجاه مُسَيَّرة للعدو، هو آخر فعل مقاوم يسجل له في حياته الدنيوية التي انتهت في ذلك اليوم.

بعد استشهاده بيوم واحد، وتحديدا في يوم الخميس 17 أكتوبر، بدأ ميلاد القائد الرمز يحيى السنوار، وكان لبعض جنود العدو دورا مهما في توثيق شهادة الميلاد تلك.

صورٌ قليلة من اللحظات الأخيرة في حياة القائد الشهيد، تم تسريبها من طرف العدو، كانت كافية لإظهار قدر كبير من الشجاعة والشموخ والكبرياء أمام العدو، وذلك في لحظة يفترض أنها لحظة ضعف بالنسبة لقائد معركة يُعدُّ هو المطلوب الأول للعدو، مصاب بجروح، يجلس وحيدا على أريكة في منزل مدمر ينتظر في أي لحظة قدوم جند من الجيش الأكثر إجراما ووحشية ودموية في التاريخ الحديث.

عندما شهدتُ تلك الصور لأول مرة كتبتُ معلقا عليها بأن العدو سيندم كثيرا على تسريبها، وبالفعل فقد ندم العدو كثيرا على تسريبها، وها هو ينشر صورا جديدة لتلافي الأمر، وقد فاته أن ميلاد رمزية القائد الشهيد قد خرج من يده، ولم يعد بإمكانه أن يوقفه بنشر صور أو مقاطع مرئية جديدة.

بطبيعة الحال، لم يكن من سرَّب تلك الصور يُريد بتسريبها أن يجعل من القائد يحيى السنوار رمزا خالدا، بل على العكس من ذلك، فقد كان يريد بها أن يُظهره ضعيفا بلا حول ولا قوة، فتسقط هيبته عند شعبه، وتنهار معنويات كل من كان يُقاتل خلفه.

لقد فات من سرب تلك الصور بأن الكون لا يتحرك بمشيئته، ولا وفق رغباته، فجيش العدو قد يستخدم ـ ودون أن يعي ذلك ـ للرفع من شأن قادة المقاومة، وقد استخدم فعلا لذلك من خلال تسريبه لتلك الصور.

إن مما يدعو للتأمل والتدبر هو أن هذا الجيش المتخصص في الكذب والخداع والفبركة، لم يتمكن من فبركة صور للقائد الرمز لإظهاره عند استشهاده مستسلما في نفق. لقد أحيل بينه مع ذلك رغم تاريخه الطويل في الفبركة والكذب.

لقد لاقت الصور المسربة إعجابا واسعا في العالم كله، فتفاعل معها إيجابيا الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الغرب، بل إن بعض المغردين في اليابان اعتبروا القائد الشهيد ساموراي فلسطين.

إن العرب والمسلمين بحاجة اليوم إلى قائد رمز يكون ملهما للأجيال، ولا أحد في زماننا هذا تتوفر فيه صفات القائد الملهم مثلما تتوفر في الشهيد يحيى السنوار الذي قضى حياته بين السجن والمقاومة، والذي يعتبر مهندس معركة السابع من أكتوبر المجيد، وهو فضلا عن ذلك يتميز عن كل القادة الشهداء بأنه استشهد وهو يقاتل العدو وجها لوجه، وقد سخر الله له العدو لأن يوثق اللحظات الأخيرة في حياته، وما اختزنت تلك اللحظات من شجاعة وثبات.

فلنجعل من الشهيد يحيى السنوار قائدا رمزا وملهما للشباب العربي والمسلم، وهو أهل لذلك، فهو ليس أقل بذلا ولا أقل تضحية من نيلسون مانديلا الذي كان قائدا ملهما في إفريقيا، ولا من تشي جيفارا الذي كان قائدا ملهما لشباب الحركات اليسارية في العديد من بلدان العالم.

وختاما، يبقى أن أقول بأني أخذتُ هذا العنوان من منشور للمدون الموريتاني أحمدو أحمد الذي اقترح إضافة مثل عربي جديد إلى أمثالنا العربية، يخلد لحظة استشهاد القائد الرمز، ويُعَبَّر به عن الشخص الذي بذل كل ما يملك من جهد لتحقيق أمر ما، فيقال تعبيرا عن ذلك الجهد: “رماه بعصا السنوار”، أما إذا كان المتحدث هو صاحب الجهد، فيقول : “رميته بعصا السنوار”.

حفظ الله المقاومة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى