التقري العشوائي سلوك منافي للحضارة / حمود أحمد سالم محمد راره
التقري العشوائي الذي تعاني منه مدننا سلوك مناف للقيم الحضارية التي تتأسس عليها المدن وظاهرة لا يقبل بها منطق، والأدلة على الأمر بينة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
وهذه الظاهرة التي عمت بها البلوى مع الأسف خطيرة جدا من عدة نواحي وتؤدي إلى العديد من المشاكل.
ومن أبرز تلك المشاكل كونها تجعل من هذه المناطق العشوائية بيئة خصبة للجريمة وتعقد الخدمات الأمنية وتزيد من صعوبتها وبالتالي تنتشر الجريمة، ولك عزيزي القارئ أن تتصور حجم الكارثة التي هي في واقع الأمر نتيجة حتمية لتدهور الأمن وفقدان السيطرة الكاملة على الأوضاع حتى يعيش سكان الأحياء في طمأنينة قادرين على عيش حياتهم الطبيعية بسكينة.
ومن نافلة القول التأكيد في السياق نفسه على أن العشوائيات تزيد من صعوبة السيطرة على الكوارث في حال حدوثها – لا قدر الله – تؤدي إلى انتشار المناطق العشوائية، مما يجعلها نتيجة لتكدس المباني وسوء التخطيط.
ففي حالة حدث حريق مثلا فإن تدخل رجال الإطفاء سيكون محدودا إن لم نقل غير ممكن بفعل عدم وجود ممرات توصل لمكان الكارثة.
وإذا انطلقنا من نظرة أكثر شمولية فإن هذه العشوائيات تؤثر على جودة البنية التحتية مثل الطرق والصرف الصحي، مما يعوق الاستثمار والتنمية الاقتصادية، بل إنها عادة ما تكون في الأغلب الأعم شبه معدومة أو غير موجودة أصلا، وأي منطق حضري يقبل بهذا الواقع؟ بالتأكيد فإنه غير موجود.
وحين تفقد منطقة حضرية الوسائل الضرورية التي تمكن من إقامة التنمية فإن الأمر يفضي بشكل تلقائي إلى تدهور وشائل العيش أو استحالتها وليس من المقبول إطلاقا هذا الوضع المزرى الذي يقود إليه هذا الأمر.
كما أن المسألة فضلا عن هذا كله تؤدي إلى هدر الموارد نتيجة الكلفة الباهظة التي يكلفها إعادة تخطيط أو إصلاح تلك المناطق غير المنظمة.
وبالنظر الى الجانب العقاري فإن للتقري العشوائي ضرره كذلك، إذ إنه يقلل من قيمة الأراضي والممتلكات بسبب التدهور البيئي والمشاهد غير المنظمة.
إن المدن العصرية تتطلب تخطيطًا حضريا مستداما يعزز الكفاءة والسلامة ويمكن من الابتعاد عن تشويه الوجه الحضاري لمدننا خصوصا العاصمة نواكشوط التي هي واجهة البلد.
إن ما تقوم به السلطات اليوم من جهود جبارة من أجل عصرنة مدينة نواكشوط، وأما البعثات رفيعة المستوي التي تهدف إلى إقامة تخطيط جهوي تشاركي فهي أمر في غاية الأهمية لكونه سيقضي على التقري العشوائي في الوقت الذي سيسمح بإحداث تنمية مستدامة وشاملة توفر للمواطن العيش الكريم في جو من الأمن والاستقرار، وهذا مطلب وطموح شعبي طال انتظاره.
حمود أحمد سالم محمد راره.