للتكيف مع الأثر الرجعي الذي قد يترتب عن القرار

في جانب توطين الواردات، وأخص بالذكر المواد الغذائية والمحروقات التي تشكل البنديين الأكبر في فاتورة الواردات، فقد تم  توجيه موارد مالية معتبرة خلال السنوات الماضية بهدف تكثيف الاستثمار بشقيه العمومي والخصوصيي في قطاعات الزراعة، الثروة الحيوانية  والطاقات المتجددة؛ وهو مامكننا اليوم من الوصول إلى تغطية حاجياتنا من الأرز والخضروات والألبان بنسب 89 و 24 و %30 توالياً، في حين بات البلد يُنتج حالياً  %48 من طلبه على الكهرباء من مصادر ذاتية متجددة؛ وذلك بعد تدشين محطة بولنوار الهوائية منذ أيام قليلة؛ ما مَنح في المجمل مجالاً أمام السلطات الموريتانية، للتعاطي مع أزمة الطاقة والغذاء التي ضربت الاقتصاد العالمي بداية 2022  عقب اجتياح روسيا لِأوكرانيا.

بخصوص زيادة وتنويع الصادرات، وبعد سنوات عديدة من الاعتماد على المعادن والصيد كرافديبن أساسيين للعملة الصعبة، دون القدرة على رفع كمية الإنتاج خاصة فيما يتعلق  بالحديد الخام، استطاعت شركة SNIM سنة 2023 تحقيق سقف إنتاج قدره 14 مليون طن، مُسجلة بذلك أول زيادة في الإنتاج منذ تأميمها سنة 1974، وقد تزامنت  هذه الزيادة التاريخية في إنتاج أحد أهم وأقدم  محركات الاقتصاد الموريتاني، مع استعداد البلد لإنتاج وتصدير الهيدوجين الأخضر والغاز الطبيعي المسال وبكميات جد تجارية؛ بٍفضل حزمة  مشاريع واعدة تجاوز غلافها المالي المعلن عنه حاجز ال 100 مليار دولار أمريكي ( أكثر من 10 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الحالي )، حيث تندرج هذه المشاريع ضمن جهود عالمية حثيثة، للحد من الانبعاثات الكربونية الضارة بالبية، مايعني أن موريتانيا من الدول النامية القلائل التي ستحول بإذن الله  نقمة التغير المناخي إلى نعمة تضمن تحقيق التوازنات الاقتصادية الكبرى. الداعمة لاستقرار سعر صرف الأوقية وبأدوات أكثر استدامة.

وفي ذات السياق، يخطط البلد في غضون أشهر قليلة لِتسويق، أول شحنة غاز مسال من حقل آحميم الكبير المشترك مع الجارة السنغال، ذلك الحقل الذي تقدر عائدات موريتانيا منه في المتوسط ب 1 مليار دولار سنوياً طيلة العمر الافتراضي للمشروع؛ مبلغ يكفي لوحده حسب معطيات وأسعار صرف اليوم، لٍسد الفجوة الحاصلة على  مستوى ميزان المدفوعات، والمقدر في المتوسط خلال السنوات  الأربع الأخيرة ب 336 مليار اوقية قديمة، وهي وضعية لاشك ستجعل الأوقية الموريتانية حِسابياً تتخطى شبح التحريك أو التحرير الكلي؛ بعد أن تنتعش احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة، وتتحول الميزانية العامة للدولة التي تتمتع حالياً  بمديونية خارجية متوسطة من العجز إلى الفائض الدائم.

وعلى العموم ستبقى استفادة الأوقية من الطفرة المتوقعة في مجال الغاز مرهونة بمامدى كفاءتنا في تسيير تلك العائدات النقدية المباشرة، وبمامدى جاهزيتنا أيضاً لِدمج الغاز المُصنف على أنه الوقود الأحفوري الأنظف والأكثر كفاءة ، في المنظومة الاقتصادية؛ بُغية التحكم وللمرة الأولى في تكاليف الإنتاج،  والانتقال إلى الصناعات الأخرى التحويلية في قِطاعات:  الزراعة، الثروة الحيوانية، الصيد والمعادن التي نمتلك فيها ميزة نسبية؛ وهذا بالضبط ما كانت تبحث عنه الأوقية لاحتواء تداعيات التحرير والذهاب ربما إلى مرحلة التثبيت إذا دعت الحاجة لٍذلك، بشرط التأكد من أن الغاز  لعب دور الرافعة بالنسبة للقطاعات الأخرى السابقة الذكر؛ لأن التثبيت  الغير مٌحكم للأوقية المعتمد في  الأساس على وفرة محتملة للدولار من مصدر واحد كالغاز مثلاً، سيؤدي دون شك إلى تشجيع الواردات  وقًتل الإنتاج المحلي سواءً كان موجهاً  للأسواق المحلية أو الخارجية؛ ما قد يفاقم  من هشاشة الاقتصاد الموريتاني ويعمق من جراحه الناجمة عن إصابته القديمة بما يعرفه الاقتصاديون بالداء الهولاندي.

وفي انتظار أن يتحقق ما تقدمنا به من استشراف لِمسار الأوقية مٌستقبلاً، فإننا ندعوا أيضاً جميع الوكلاء الاقتصاديين خاصة الأفراد والأسر،  بضرورة التحوط من خلال زيادة الإنتاجية،  ترشييد الاستهلاك،  وتوزيع المدخرات إن وجدت بين العقار، الأوقية، العملة الصعبة والذهب، لأن المرونة مطلوبة في هكذا أوقات، ريثما تتضح الصورة الكاملة لِلمشهد.
أمم ول انفع/ محلل اقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى