وزارة الشؤون الإسلامية تسطر عن: أهم الأحداث السيرية التي وقعت في شهر رجب
رجب هو أحد الشهور القمرية، وهو سابع شهور السنة الهجرية، ويقال رجب الفرد لانفراده عن باقي الأشهر الحرم، وهي الثلاثة المتوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
وقد شهد شهر رجب أحداثا كثيرة على مر التاريخ، وفي ما يلي نذكر أهم ما جرى في هذا الشهر من الأحداث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
في شهر رجب من خامسة سني البعثة النبوية، كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة قائلا: “إن فيها ملكا لا يُظلم عنده أحد، فالحقوا به حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه” وذلك بعد أن اشتد على المسلمين ما يلاقونه من قريش، من العذاب والأذى وأصناف الاطهاد.
فخرجت إلى الحبشة مجموعة تتألف من 16 شخصا، من السابقين إلى الإسلام رضوان الله عليهم، وهم: عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وزوجته سهلة بنت سهيل بن عمرو، وأبو سلمة بن عبد الأسد وزوجته أم سلمة بنت أبي أمية، وعامر بن ربيعة وزوجته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم وزوجته ليلى بنت سهيل بن عمرو (أخت سهلة زوجة أبي حذيفة المتقدمة) وعبد الرحمان بن عوف، والزبير بن العوام، وعبد الله بن مسعود، وعثمان بن مظعون، وحاطب بن عمرو، ومصعب بن عمير.
وقد ذكر العالم الجليل الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم، حفظه الله، أسماء هؤلاء في نظمه لأصحاب الهجرة الأولى إلى الحبشة، فقال:
أول من خرج عثمان معا
رقية بنت أجل الشفعا
أبو حذيفة وعدّ أهله
معْه وهي بنت سهيل سهله
كذا أبو سلمة ذو المكرمه
وبنت زاد الركب أم سلمه
وعامر نجل ربيعة الندي
ومعه زوجته ليلى اعدد
ثم أبو سبرة معْ زوجته
بنت سهيل أم كلثوم ته
ومصعب نجل عمير هاجرا
بنفسه ولابن عوف ذا جرى
وللزبير وابن مسعود الرضى
كذاك عثمان بن مظعون مضى
ونجل عمرو حاطب ومصعب
ينمى لعبد الدار منهم يُحسب
ثم أقام هؤلاء بالحبشة آمنين إلى أن وصلهم خبر كاذب، مفاده أن أهل مكة قد أسلموا، فعادوا إليها لتتلقاهم قريش من جديد بأشد مما سبق من الأذى، وعندها خرج زهاء مائة من الصحابة رضي الله عنهم، وظلوا هناك بخير مقام، إلى أن قدموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة سبع بُعيد غزوة خيبر، وقد عقد الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم هذا المنثور، في نظمه المذكور، بقوله:
ثمت كان مرجع الأقوام
لمكة شوال ذاك العام
حين لهم عن أهل مكة وصل
خبر إسلام لصدق ما احتمل
وقد تلقتهم قريش بالأذى
فهاجروا إلى النجاشي إذا
ثانية أيضا وهم نحو مائه
حي من النساء في هذي الفئه
أو هم من المائة أربى أو أقل
ثم هناك المسلمون لم تزل
بخير دار مع خير جار
إلى قدومهم على المختار
الإسراء والمعراج
وفي شهر رجب من السنة الثانية عشرة بعد البعثة كانت حادثة الإسراء والمعراج، وقيل بل في السنة العاشرة، وقيل غير ذلك، والأول أرجح، وهو الذي حققه عبد العزيز اللمطي، كما في قرة الأبصار، إذ يقول:
وبعد واحد مع الخمسينا
وأشهر مضت له يقينا
شرَّفه الرحمان بالإسراء
وبعروجه إلى السماء
حتى أراه أكبر الآيات
وعاد بعد الفرض للصلاة
وحاصل الأمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، أُسرِي به من المسجد الحرام، حيث أتاه جبريل عليه السلام، ليلا، وأحضر له البراق، وهو أكبر من الحمار وأصغر من البغل، وسرعته تفوق التصور، حيث يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبه النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى بيت المقدس وربطه بحلقة المسجد، ودخل فوجد الأنبياء وقد صفّوا في صفوف، فصف معهم، فقدمه جبريل عليه السلام، ليؤمهم، وخرج بعدها، فجاءهُ جبريل بإناءين، أحدهما لبنا والثاني خمرا، فاختار إناء اللبن، فقال له جبريل: اخترت الفطرة.
ثم عُرج به صلى الله عليه وسلم، من بيت المقدس إلى السماوات من سماء إلى أخرى، إلى أن بلغ السماء السابعة، وقد لقي الأنبياء في كل سماء مر بها، وكلما مر بسماء عرّف به جبريل أهلها فرحبوا به، ثم عُرج به صلى الله عليه وسلم، إلى أن بلغ سدرة المنتهى، ثم إلى البيت المعمور.
وفي عروجه هذا فرضت عليه الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة، فراجع ربه بإشارة من موسى عليه السلام، حتى أصبحت خمس صلوات يعدل أجرها أجر خمسين صلاة.
ولما عاد صلى الله عليه وسلم إلى قومه وأخبرهم بما حدث كذبوه وأنكروا عليه، حتى كشف له الله جل وعلا عن بيت المقدس، فوصفه لهم كما رآه.
وقد اختُلف في طبيعة الإسراء به صلى الله عليه وسلم، هل كان يقظة أم رؤيا نوم، ولكل من أصحاب القولين أدلته، إلا أن الأول أرجح، إذ لو كان ذلك رؤيا نوم لما افتتن بها الناس حتى ارتد بعض من كان أسلم، لأن النائم يمكن أن يرى نفسه في مشارق الأرض وفي مغاربها وفي السماء، فلا يُنكَر عليه إذا هو حدّث بذلك.
سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة
وفي شهر رجب من السنة الثانية للهجرة النبوية، كانت سرية عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة، وحاصلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث عبد الله بن جحش، يقود ثمانية من الصحابة الكرام، ليس فيهم أحد من الأنصار، وإنما هم من المهاجرين الذين كانت قريش آذتهم، وأخرجتهم من ديارهم،
واغتصبت أموالهم، وقد نظم العالم السيري گراي ولد أحمد يوره، أسماء أصحاب هذه السرية، مع التعريف بهم، فقال:
سار المجدع الذي زان أسد
خزيمة مع ابن عمه الأسد
عكاشة بن محصن المبشر
بجنة قبل حساب المحشر
وابن أبي وقاص المفدي
بالأبوين زينة الندي
سعد الذي بُشر بالجِنان
قطعا وكان ثابت الجَنان
ونجل عتبة أبي حذيفه
من شام في رضى الإله سيفه
هاجر للحبشة اثنتين
وطيبة هاجر بعد تين
وسهلة بنت سهيل زوجه
في كل هجرة حواها فوجه
وكان ممن حضروا ببدر
مع المشفع العظيم القدر
وفي اليمامة الشهادة له
قد قُدرت فما أتم فضله
وخالد نجل البكير الليثي
من كان في بدر شبيه الليث
وابن ربيعة الهمام عامر
من قلبه بكل خير عامر
ينمى إلى عنز وحلفه استمر
مع الفتى الخطاب والد عمر
شهد مع خير الورى المشاهدا
ولم يزل مجاهدا وجاهدا
ونجل عبد الله ذو التصميم
يُنمى إلى الصميم من تميم
أعني بذاك واقدا من قتلا
عمرا سليل الحضرمي فاعتلا
وبعضهم قد ذكر المقدادا
من فات عد مجده الأعدادا
ومن أصحاب السير من ذكر ضمن من خرجوا في هذه السرية عتبة بن غزوان المازني وسهيل بن بيضاء الفهري.
وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم لأمير السرية عبد الله بن جحش كتابا أعطاه إياه، وأمره أن لا يقرأه قبل أن يسير يومين ثم ينظر فيه حينها، ويمضي لما ورد أمره به ضمن الكتاب، وأن لا يُكره أحدا من أصحابه على أن ينفذ معه ما جاء في الكتاب، فلما سار عبد الله رضي الله عنه، يومين، فتح كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: “إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم”.
ثم أخبر ابن جحش أصحابه بمضمون الكتاب، وأن النبي نهاه عن إكراه أي أحد منهم، فقالوا جميعا: سمعا وطاعة، ثم ساروا إلى حيث أُمِروا، وبينما هم في الطريق أضل سعد بن أبي وقاص و عتبة بن غزوان، رضي الله عنهما، بعيرا كانا يعتقبانه، فتخلفا عن السرية في طلبه.
ثم واصلت السرية المسير حتى نزلت بنخلة، حيث أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرت بهم عير لقريش، راجعة إلى مكة، فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى عمهما هشام بن المغيرة، فلما رأوا ابن جحش وأصحابه هابوهم، وقد حطوا رحالهم قريبا منهم، فأشرف عليهم عكّاشة بن مِحصن – وكان قد حلق رأسه – فلما رأوه أمِنوا وقالوا: عُمّار، لن يلحقكم منهم أذى.
وكان نزول السرية بنخلة ومرور عير قريش بها آخر يوم من رجب، فقال أصحاب السرية: والله لئن تركتم القوم في هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم اتفقوا على قتالهم، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وفر نوفل بن عبد الله فأعجز أصحاب السرية.
ثم رجع عبد الله بن جحش وأصحابه إلى المدينة باالأسيرين والعير، فلامهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، وقال : “ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام” وأكبرت قريش ذلك وقالت: إذًا استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه، فأنزل اللهّٰ تعالى:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّه وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ} ففرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه، وأخذ النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم العير والأسيرين، فبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، فقال: “لا نفديكما حتى يقدم صاحبانا – يعني: سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان – فإنا نخشاكم عليهما” ثم إن سعدا وعتبة قدما المدينة، فقبل صلى الله عليه وسلم فداء الأسيرين.
وقد نظم العالم السيري غالي ولد المختار فال، أحداث هذه السرية بكل تفصيل وإيجاز، فقال:
ثم المجدع بن جحش بن رئاب
بعثه وكان أعطاه كتاب
يقرؤه إن سار يومين وِلا
وكلَّ ما فيه جميعا فعلا
فسار طائعا وقاد الجيشا
ورصدوا بنخلة قريشا
فأسروا عثمان بعد الحكم
وقتلوا عمرا سليل الحضرمي
وخمّس العير التي قد انتزع
و وافق القرآن ما قد اخترع
وبهم من قلبه به مرض
أرجف إذ ما رجب قد انقرض
و وقف العيرَ النبيُّ أو نزل
في أمرهم كلامه عز وجل
أي (يسألونك عن الشهر الحرام)
فخرجوا من كل كرب وملام
سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى
وفي شهر رجب من السنة السادسة للهجرة النبوية، كانت سرية زيد بن حارثة رضي الله عنه، إلى وادي القرى، وحاصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث زيد بن حارثة أميرا على 12 من الصحابة الكرام، وأمرهم أن يذهبوا إلى أرض قبيلة فزارة، التي تحارب الدعوة الإسلامية، والمجاورة لمنطقة المدينة، والتي شاركت في غزوة الأحزاب ضد المسلمين، ويقال إنهم كانوا سلبوا زيدا تجارة قدم بها من الشام، وكان هدف هذه السرية استكشاف طبيعة هذا العدو وقوته، ومخارم الطرق في أرضه، إلى غير ذلك مما لا بد من أن يكون المسلمون مطلعين عليه.
فلما كانوا ببعض الطريق، هجمت عليهم جموع بني فزارة بقيادة عيينة بن حصن، فاستشهد تسعة منهم ونجا ثلاثة من بينهم الأمير زيد، وقد نظم منثور هذه الأحداث في نظم السرايا، بقوله:
ثم إلى وادي القرى حِب الرسول
سار به يا رب هب لي كل سول
وعدد السرية اثنا عشرا
كل من الإله حاز البُشرا
يستكشفون حالة الأعداء
وما لدى الأعداء من عداء
وإن ترد تاريخها فما احتجب
في سادس الأعوام والشهر رجب
فبينما هم ذاهبون للعدى
وكلهم بفعله قد سعدا
إذ هجمت عليهم النوادي
فاستشهدوا كلا بذاك الوادي
وأُكرِموا بفرش مرفوعه
بجنة أكوابها موضوعه
وآب زيد وثلاثة معه
وأحرزوا الأجر الجزيل أجمعه
سرية الخبط
وفي شهر رجب من السنة الثامنة للهجرة النبوية، كانت سرية الخبط، وهو ورق شجر أكله أصحاب هذه السرية لشدة ما لاقوا من الجوع.
وحاصل هذه السرية أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث أبا عبيدة بن الجراح على رأس 300 من الصحابة، يرصدون عيرا لقريش بساحل البحر، على بعد 5 ليال من المدينة، وقيل بل بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم لإظهار المنعة أمام قبيلة جهينة، وهي إحدى قبائل تلك المنطقة، وذلك لتحييدها عن أي احتكاك بين المسلمين مع قريش، حتى لا تنحاز لقريش ضد المسلمين، وقد يكون من أهداف السرية أيضا التحقق من تحالفات القبائل العربية مع قريش من عدمها.
وللعالم الجليل گراي ولد أحمد يوره ذاكرا تاريخ هذه السرية وعدد أفرادها، وسبب تسميتها:
وذي سرية تضاف للخبط
والخبط اسم ورق بها ارتبط
يقال في الثامن والسياق
من أجله لسادس تساق
أميرها أبو عبيدة الأمين
رب اهدنا به لما ترضى أمين
على ثلاث مائة من المهاجرين (م)
والأنصار قاس نظمها
غادرت السرية المدينة باتجاه ساحل البحر، وجابت أراضي كثيرة ولم تلق أذى، وقد حققت الهدف الذي تم ابتعاثها من أجله، غير أنهم أصابهم جوع شديد فأكلوا الخبط وهو ورق الشجر، فسميت سرية الخبط، وقد استدان قيس بن سعد بن عبادة – وكان من أفرد السرية – تسع جمال، كل يوم يستدين ثلاثة ينحرونها، فنهاه أبو عبيدة وأبو بكر وعمر – وكانا في السرية – قائلين إنما يطعم من مال أبيه.
ثم إن البحر ألقى لهم حوتا يسمى العنبر، فأكلوا منه مدة شهر وصحت أجسادهم من دهنه، فلما قدموا المدينة وأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رزق أخرجه الله تعالى لكم، لعل معكم من لحمه شيء فتطعمونا” فأرسلوا إليه بعض لحمه فأكله، ولما أخبر قيس أباه سعد بن عبادة بخبر الجوع الذي أصابهم، قال: لم لم تنحر لهم؟ قال فعلت، ولكن أبا بكر وعمر نهياني، فقال سعد: من يعذرني في أبي بكر وعمر؟ إنهما يلئمان ابني.
وقد نظم العالم الجليل غالي ولد المختار فال قصة قيس بن سعد، ونهيه عن النحر، وما قال أبوه سعد، وقصة الحوت وصفته، فأوجز وأفاد، وذلك بقوله:
ثم اشترى قيس بن سعد فنحر
للجيش أينقا وعاقه عمر
فجاء سعد – يشتكي – خير الورى
فقال من يعذرني من عمرا
و وجدوا حوتا رماه البحر قد
مات ومن عِظَمه أن قد قعد
في وقب عينه ثلاثة عشر
والضلع منه تحتها الراكب مر
فدجنوا عليه حتى سمنوا
شهرا ومنه حملوا وادّهنوا
غزوة تبوك
وفي شهر رجب من تاسع أعوام الهجرة، كانت غزوة تبوك، فقد جاءت عيون المدينة بما يفيد أن قيصر يجمع قواته ويعد العدة لقتال المسلمين، والقضاء على الإسلام، وقد ظاهرته في ذلك قبائل العرب التي تخضع لحكمه، كعاملة ولخم وجذام وغسان،
فقرر النبي صلى الله عليه وسلم، استنفار المسلمين وغزو قيصر، وقد أصاب المسلمين في هذه الغزوة ضيق شديد، من قلة الطعام والماء، والدواب التي تركب، وبعد المسافة.
ولما استنفر النبي صلى الله عليه وسلم الناس للمسير، طفق المنافقون يعتذرون عن المسير معه، ويثبطون همم الناس، فأنزل الله تعالى فيهم آيات من القرآن الكريم، وقد ظهر من المنافقين في هذه الغزوة ما لم يظهر قبلها ولا بعدها، حيث تُحدث المصادر أنه لما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم عسكر المسلمين بثنية الوداع، ضرب عبد الله بن أبي عسكره على حدة فلم يكن بأقل العسكرين.
ويصف العالم السيري أحمد البدوي الظروف القاسية لهذه الغزوة، وتثبيط المنافقين لهمم الصحابة، بقوله في نظم الغزوات:
ثم لروم بتبوك استنفرا
لام ألوف عام عسر اعترى
ومعهم لحربه ألب له
غسان لخم وجذام عامله
وحض الاغنيا على الحملان
ونكصوا دون مدى عثمان
على بعير عشرة تعتقب
وعز مطعم وعز مشرب
يقتسم النفر تمرة ومن
فرث الأباعر شراب قد يعن
وقعد الباكون والمعذرون
وعسكرت فربّت المنافون
وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأغنياء من أصحابه الكرام على التبرع ليتمكن الفقراء من المسير في هذه الغزوة لبعد الشقة، وتسابقوا رضوان الله عليهم إلى ذلك، ولم يبلغ أحد منهم مبلغ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وإلى دوره أشار البدوي بقوله المتقدم: “ونكصوا دون مدى عثمان” وقد جاء العالم السيري، محمذن بن محنض بابه بتفصيل أكثر، للدور الذي لعبه عثمان في هذه الغزوة، إذ يقول في نظمه قرة العينين:
ونوهن بدور ذي النورين
عثمان حاوي الفخر في الدارين
جهز أكمل الجهاز عدا
عشرة آلاف لها أعدا
مؤنها من مركب وزاد
حتى أتى برُبُط المزاد
وجا من الإبْل بتسع مائة
ومائة من الخيول عُدت
أنفق عد عشرة الآلاف
من الدنانير وذاك كاف
وقد أتى بألف دينار نثر
أيضا لها بثوب أفضل البشر
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعلن للصحابة رضوان الله عليهم، وجهته في هذه الغزوة وهدفه منها، على غير ما جرت به عادته في الحرب، وذلك لبعد المسافة وشدة الحر، وكون العدو هذه المرة ليس من قبائل العرب الذين تعود المسلمون على الحرب معهم، وكذلك كون الوقت موسم قطف الثمار في المدينة المنورة، فخرج صلى الله عليه وسلم في أكثر 30 ألفا من صحابته الكرام، ثم ساروا حتى وصلوا تبوك، وهناك أقاموا زهاء 20 ليلة، ولكن قيصر هاب قتالهم، وقد جاءتهم قبائل المنطقة لتبرم معهم الصلح بعد ما رأت من قوتهم، ثم رجعوا إلى المدينة ولم يلقوا أذى.
وفاة النجاشي
وفي شهر رجب من السنة التاسعة من الهجرة النبوية، توفي ملك الحبشة النجاشي، واسمه أصحمةُ بن أبجر، والنجاشيُ لقبه، وكان تولى زمام الحكم في الحبشة، وهو لا يزال فتى حدثا.
اشتهر النجاشي بعدله بين الرعية، وبحبه للعدل وأخلاقه الطيبة، وبسيرته الحسنة،
وهو ما حدى برسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن أمر السابقين إلى الإسلام المطهدين بمكة، بأن يتوجهوا إلى الحبشة، قائلا إن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد، وقد استقبل النجاشي الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة بكل حفاوة، وعاشوا هناك مكرمين آمنين إلى أن عادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والنجاشي حينها ما يزال حيا، ولما مات نعاه جبريل عليه السلام للنبي فقال: صلى الله عليه وسلم: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، فصلوا عليه صلاة الغائب.
وكان النجاشي أسلم على يد جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، وحسن إسلامه ولم يهاجر وليست له رؤية، فهو تابعي، ثم أسلم على يده الصحابي الجليل؛ عمرو بن العاص، وقد كان عمرو التحق مع رجال من قومه بالنجاشي، بعد أن أيقنوا أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم يعلو، وأنه ظاهر لا محالة، ثم أسلم عمرو على يد النجاشي، وقيل إن عمرا جاء مبعوثا من طرف قريش يطلب من النحاشي إرجاع المسلمين إلى مكة، وإلى هذا أشار في مرهم الدوي، بقوله في ترجمة عمرو بن العاص:
قد بعثته للنجاشي المكين
قريش لاسترجاعه المهاجرين
وإذ أتى عمرو دعاه أصحمه
إلى اعتناق دين طه المرحمه
وبعد ما عرض ما لديه
اعتنق الدين على يديه
وأم طيبة وفي الطريق تي
ترافقت أفلاذ كبد مكة
عمرو صحابي بلا منازع
إسلامه على يدي ذا التابعي
وفي إسلام الصحابي عمرو بن العاص، على يد النجاشي التابعي، ومولد عمرو وعمر أبيه العاص بن وائل لما يتجاوز الحادية عشرة، يلغز عبد الله بن رازگه لحمادن بن الأمين بقوله:
أتيناك نوكى مرملين فواسنا
بإسلام صحبي على يد تابع
وسبق أب ميلاده مولد ابنه
بخمس وست أو عززن بسابع
فيجيبه حمادن بقوله:
هما عمرو السهمي أسلم مخلصا
بأصحمة الملك النجاشي المتابع
كذا ابنه عبد الله قد جاء قبله
بخمس وست ما عززن بسابع