القاضي محمد الرحمن عبدي يكتب..في الرد على المتطاول على التصوف “الحلقة الثالثة”
وقال القشيري (الرسالة القشيرية1/34-145/ط دار المعارف القاهرة)في رسالته: انفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله تعالي الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة، وقال أيضا سمعت محمد بن الحسين يقول: قال النصراباذي: أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة، وترك الأهواء والبدع، وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية أعذار الخلق والمداومة على الأوراد وترك ارتكاب الرخص والتأويلات. وقال رحمه الله أيضا: ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس. والظاهر أنه لقب. وقال أي القشيري أيضا:اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسم أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى الصحابة إذ لا أفضلية فوقها ثم سمى من أدركهم التابعين ثم من أدركهم تابعي التابعين ثم تباينت المراتب فقيل لخواص الناس من لهم شدة عناية بأمر الدين الزهاد والعباد ثم ظهرت البدع وحصل التداعي من الفرق فكل فريق ادعوا أن فيهم زهدا فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف. وأما الصوفي فهو الذي يضع كل شيء موضعه ويدبر أوقاته وأحواله كلها بالعلم يقيم الخلق مقامه ويقيم أمر الحق مقامه ويستر ما ينبغي ستره ويظهر ما ينبغي إظهاره كل ذلك مع حضور عقل وصحة توحيد وكمال معرفة ورعاية صدق.انتهى.
وقال ابن خلدون في تاريخه (ديوان المتدأ والخبر1/611/ط2): هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة. قال العلامة العطار على شرحه للجلال المحلي على جمع الجوامع لابن السبكي: التصوف من جملة العلوم المدونة التي لها مبادئ ومقاصد وليس كذلك، بل هو ثمرة جميع العلوم الشرعية وآلاتها لا أنه قواعد مخصوصة وإن أفرد بالتأليف، ثم هو قسمان قسم يرجع إلى تهذيب الأخلاق والتأدب بجميل الآداب كقوت القلوب وإحياء الغزالي ومؤلفات سيدي عبد الوهاب الشعراني وغيرها فهذا واضح جلي يدركه كل من له أدنى ممارسة للعلوم، وقسم مرجع أربابه فيه إلى المكاشفات والأذواق وما يقع لهم من التجليات وكمؤلفات سيدي الشيخ محيي الدين ابن العربي والجيلي وغيرهما مما نحا منحاهما فهذا من الغوامض التي لا يفهمها إلا من ذاق مذاقهم وقد لا تفي عبارتهم بشرح المعاني التي أرادوها بل ربما صادمت بحسب ظواهرها الدلائل العقلية فالأولى عدم الخوض فيه ويسلم لهم حالهم، فعلوم الحقائق لا ينكرها إلا المغرورون بالله قاله العلامة عبد الله بن الصديق الغماري في كتابه الإعلام (لإعلام بأن التصوف من شريعة الإسلام العلامة المحدث حافظ العصر عبد الله الغماريص11): ففي الحديث الذي أخرج الديلمى في الفردوس في مأثور الخطاب والطبسي في الترغيب والخطيب البغدادي في تلخيص المتشابه والمتقي الهندي في كنز العمال(الفردوس في مأثور الخطاب1/210، رقم 799/ط1 ، وضعفه المنذرى (1/59) وعزاه لأبى منصور الديلمى، وأبى عبد الرحمن السلمي في الأربعين التي له في التصوف. وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/39) : رواه أبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين له في التصوف بإسناد ضعيف. والخطيب في تلخيص المتشابه484/ط1، كنز العمال رقم الحديث 28941 ) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله”. وهذا الحديث وإن كان ضعيفا فإنه مؤيد بشيئين: أولهما حديث البخاري في صحيحه ومسند البزار وقريبا من معناه لدى الإمام أحمد في المسند ( صحيح البخاري1/35/رقم الحديث120/ط1 ومسند البزار15/165/8517 وقريبا من معناه لدى الإمام أحمد في المسند16/562/رقم 10959)عن أبي هريرة رضي الله عنه قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعائين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم، قال البخاري البلعوم مجرى الطعام وهو بضم الباء وفي رواية لقطع هذا يعني رأسه. فالوعاء الذي لم يبثه محمول على الأحاديث التي فيها أمراء السوء والأحاديث التي تتعلق بالملاحم والفتن وأشراط الساعة فينكر ذلك من لم يألفه طبعه، ثانيهما ما هو واقع مشاهد فلا ينكر علوم الصوفية وما وهبهم الله تعالى من الحقائق إلا الأغرار قاله العلامة المتقدم عبد الله الغماري. ولأبي عبد الله بن طوبى الصقلي الكاتب:
ليس التصوفُ لبسَ الصوفِ ترقعُهُ،
ولا بكاؤك إن غنى المُغنُّونا
ولا صياح ولا رقصٌ ولا طربٌ،
ولا ارتعاشٌ كأن قد صرتَ مجنونا
بل التصوفُ أن تصفو بلا كدرٍ
وتتبع الحقَّ والقرآن والدينا
وأن تُرى خاشعًا لله مكتئبًا،
على ذنوبِك طولَ الدهر محزونا
وكثيرا ما كان ينشد الجنيد رحمه الله تعالى:
علم التصوف علم ليس يعرفه
إلا أخو فطنة بالحق مـــــعروف
وليس يبصره من ليس يشهده
وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف
وقال سيدي عبد الغني النابلسي مواليا:
يا واصفي أنت في التحقيق موصوفي
وعارفي لا تغالط أنت معروفي
إن الفتى من بعهدهْ في الأزل يوفي
صافى فصوفي لهذا سميَّ الصوفي
وقال غيره:
إن التصوف ملبس متعارف يخشى الفتى فيه الإله ويخشع
وقيل في وجه تسميته غلبة لبس الصوف على أهله كالمرقعات؛ وحكمتها كما ذكره الشعراني أنهم لا يجدون ثوبا كاملا من الحلال بل قطعا قطعا، وقيل لشبههم بأهل الصفة.
واعلم أن الشريعة آمرة بالتزام العبودية والحقيقة مشاهدة الربوبية فكل شريعة غير مؤيدة بالحقيقة غير مقبولة وكل حقيقة غير مؤيدة بالشريعة فغير محصول فالشريعة جاءت بتكليف الخلق والحقيقة إنباء عن تصريف الحق فالشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده قال أبوعلي الدقاق:(إياك نعبد) حفظا للشريعة(وإياك نستعين) إقرار بالحقيقة اهـ.
وقالوا التصوف صدق مع الحق وخلق مع الخلق وقالوا:التصوف اسم جامع لكل خلق سني، وخروج من كل خلق دنى. وعلم التصوف به يعرف العبد مقامه من الله تعالى. وهو من العلوم المتعلقة بالله جل وعلى. وعليه فهو من أشرف العلوم لذلك. و إن كان ابن جزي قال في قوانينه (القوانين الفقهية لابن جزي277/ط1) : ينخرط التصوف في سلك الفقه لأنه في الحقيقة فقه الباطن. وقال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي الشافعي في تحفة المحتاج(تحفة المحتاج 7/53) :التصوف المبني عليه تطهير الباطن والظاهر من كل خلق دنيء وتحليتهما بكل كمال ديني هو أفضل العلوم. قال ابن عجيبة قال الجنيد رحمه الله تعالى(البحر المديد لابن عجيبة1/394/- 2/162ط1419هجرية ) : لو أعلم أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا، لسعيت إليه ولو حبوا. وقال أيضا قواعد أهل التصوف: الرجوع إلى الله في كل شيء، والاعتماد عليه في كل نازل، والتحاكم إلى الله في كل أمر، أهل التصوف إن توقفوا في حكم رجعوا إلى كتاب الله، فإن لم يجدوه نصا، رجعوا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأركانه: كف الأذى، وحمل الجفا، وشهود الصفا، ورمي الدنا بالقفا. قال الشيخ الدرديرفي شرحه الصغير(الشرح الصغير الدردير4/732- 733) أهل الشكر صفوة الله تعالى اصطفاهم مخلصهم من كدر القلب ويقال لهم: صوفية: من صفا يصفو إذا خلص، أو من صوفي إذا صافاه غيره، أو نسبة للبس الصوف؛ لأنه شأنهم تباعدا عن الترفه. وقال أبو العباس المرسي الصوفي مركب من حروف أربعة فالصاد صبره وصدقه وصفاؤه والواو وجده ووده ووفاؤه والفاء فقده وفقره وفناؤه والياء للنسبة إذا تكمل نسب إلى حضرة مولاه. وقال الثعالبي الفاسي في الفكر السامي (دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان2/55)) التصوف: هو العلم بتجريد القلب لله وخلوه مما سواه بمعنى تصفية النفس من رعوناتها، والقيام بالورع في الدين، وترك ما يريب إلى ما لا يريب، مع الإكثار من العبادات والذكر، وعدم الغفلة عن الله، وصون الوقت أن يذهب إلا فيما يفيد، ومحاسبة النفس على الأنفاس، ومدار المقصود منه التخلق بأخلاق الأنبياء عليهم السلام. قال أبو الفتح البستي:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا ولست أمنح هـذا الاسـم غيـر فــــــــــــــــتى فيـه وظنـوه مشتقـا مـن الصوف صافى فصوفي لهذا سمي الصوفي
فهو زبدة العمل بالشريعة إذا خلا عن حظوظ النفس، وهذا قديم في الإسلام وهو طريق النبي صلى الله عليه وسلم، والعلية من أصحابه خصوصا من اشتهر منهم بالزهد كسلمان الفارسي وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأصحاب الصفة وأمثالهم، بل والخلفاء كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وبعدهم التابعون كأويس القرني سيدهم المتوفى في صفين مع علي، روى عمر مرفوعا ما في صحيح مسلم “إن خير التابعين رجل يقال له: أويس وله والدة وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم”( صحيح مسلم4/1968/رقم2542) . وكان عمر يلتمس منه الدعاء، ثم في أتباع التابعين وسئل الثوري عن التصوف فقال: هو الموت الأحمر، ورابعة العدوية المتوفاة سنة 135 خمس وثلاثين ومائة أو خمس وثمانين وهي القائلة: استغفارنا يحتاج لاستغفار، والقائلة: إلهي تحرق بالنار قلبا يحبك. وقال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي في الأجوبة الحديثة : (231 -234 الأجوبة الحديثة ابن حجر الهيتمي/ط دار الفكر )اختلفت عبارة العارفين في حده على أكثر من ألف قول نظرا إلى شروطه وآدابه وغاياته وثمراته فحده سيد الطائفة الجنيد رضي الله عنه بأن يكون مع الله بلا علاقة وبأن يميتك الحق عنك ويحييك به وبأنه ذكر مع اجتماع ووجد مع استماع وعمل مع اتباع. قال: أبو محمد رويم بأنه استرسال النفس مع الله على ما يريده، وقال أبو محفوظ معروف الكرخي بأنه الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق وقال أبو علي الروذباري بأنه الإناخة على باب الحبيب وإن طرد، وأبو محمد الحريري بأنه التحلي بكل خلق حسن سني والتخلي عن كل خلق دنيء. واختلفت عبارتهم في حد الصوفي نظرا لذلك فحده الجنيد بأنه كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح، وكان الأستاذ أبو علي الدقاق شرح ذلك بقوله أحسن ما قيل في هذا الباب قول من قال هذا طريق لا يصلح إلا لأقوام كنست بأرواحهم المزابل، وأبو محمد سهل بن عبد الله بأنه من صفا من الكدر وتسلى عن الكفر وانقطع إلى الله عن البشر واستوى عنده الذهب والمدر، وقال: ذو النون بأنهم قوم آثروا الله على كل شيء فآثرهم على كل شيء، واختلفوا أيضا في المنسوب إليه فقيل نسب للصفة التي كانت بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لفقراء المهاجرين وقيل إلى الصف الأول بين يدي الله عز وجل بارتفاع هممهم وإقبالهم على الله بقلوبهم وقيل إلى الصوف لأنه لباسهم غالبا لكونه أقرب إلى الخمول والتواضع والزهد ولكونه لباس الأنبياء صلى الله عليهم وسلم. وقد جاء أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار ويلبس الصوف وفي حديث مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبيا حفاة عليهم العباءة يؤمون البيت الحرام وفي آخر يوم كلم الله موسى عليه السلام كان عليه جبة من الصوف وسراويل من صوف وكساء من صوف، وقال الحسن البصري لقد أدركت سبعين بدريا لباسهم الصوف قال اليافعي وهذا القول الثالث هو المناسب للاشتقاق اللغوي أعني بالنسبة إلى الصوف، وقيل أصل هذا الاسم صوفي من الصفا أومن المصافاة. وبين العارف الشهاب السهروردي وقت حدوث هذا الاسم فقال ما حاصله لم يكن هذا الاسم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كان في زمن التابعين ونقل عن الحسن البصري أنه قال رأيت صوفيا في المطاف فأعطيته شيأ فقال معي أربعة دوانق تكفيني، ونحوه ما جاء عن سفيان الثوري لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقائق الرياء، وقيل لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة لأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أحق باسم الصحابي لشرفه على كل وصف ومن رأى الصحابة وأخذ عنهم العلم أحق باسم التابعي لذلك، ثم لما بعد عهد النبوة وتوارى نورها واختلفت أيضا الآراء وكدر شرب العلوم شرب الأهوية وتزعزت أبنية المتقين واضطربت عزائم الزاهدين وغلبت الجهالات وكثف حجابها وكثرت العادات وتملكت أربابها وتزخرفت الدنيا وكثر خطابها تفرد طائفة بأعمال صالحة وأحوال سنية واغتنموا العزلة واتخذوا لنفوسهم زوايا يجتمعون فيها تارة ويغفر دون أخرى أسوة أهل الصفة تاركين للأسباب مبتهلين إلى رب الأرباب فأثمر لهم صالح الأعمال سني الأحوال وتهيأ صفاء الفهوم لقبول العلوم وصار لهم بعد اللسان لسان وبعد العرفان عرفان وبعد الإيمان إيمان كما قال حارثة أصبحت مؤمنا حقا لما كوشف بمرتبة في الإيمان غير ما عهد فصار لهم بمقتضى ذلك علوم يعرفونها وإشارات يعهدونها ولنفوسهم اصطلاحات تشير إلى معارف يعرفونها وتعرب عن أحوال يجدونها فأخذ ذلك الخلف من السلف حتى صار ذلك رسما مستمرا وخيرا مستقرا في كل عصر وزمان فظهر هذا الاسم بينهم وتسموا به فالاسم سمتهم والعلم بالله صفتهم والعبادة حليتهم والتقوى شعارهم وحقائق الحقيقة أسرارهم انتهى. وقال شمس الدين الرملي العلامة الشافعي في غاية البيان(غاية البيان الشمس الرملي الشافعي 339/ ط دار المعرفة ) قال بعضهم العارف عند أهل التصوف من عرف الحق بأسمائه وصفاته ثم صدق الله تعالى في جميع معاملاته ثم تنفى عن أخلاقه المذمومة وآفاته ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب عكوفه فحظى من الله بجميع آماله وصدق الله تعالى في جميع أعماله وأحواله وانقطعت عنه هواجس نفسه ولم يصغ بقلبه إلى خاطر يدعوه إلى غيره. وقال الكتاني في تراتيبه الإدارية ( عبد الحي الكتاني التراتيب الإدارية 2 /185، 247/ط2)قال ابن ليون التجيبي في الأنالة العلمية: أول من تكلم في علوم التصوف علي اهـ. وقال العالم الصالح أبو القاسم علي بن محمد بن خجو: في ضياء النهار: الصحابة كان علمهم بالله وبالآخرة، وكانوا أهل خوف وحزن ومجاهدة ومراقبة وقناعة وصبر وتوكل ورضى وانقطاع إلى الله وإخلاص عميم وكانوا مشغولين بتحصيل العبادة من جهاد ومجاهدة النفوس والإيثار والبحث عن مكارم الأخلاق والتوحيد والإخلاص واليقين والذكر وهذا هو علم التصوف. ولم ترد جل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وجل وصاياه إلا بما اشتمل عليه علم التصوف، وكانت تتعاطاه الصحابة من الذكور والإناث. فالعلم الواجب على كل مكلف: هو ما كانت تتعاطاه الصحابة في وقته، وذلك علم التوحيد والإخلاص وسائر مقامات التصوف من التوبة إلى انقضاء غايته اهـ. وبذلك تعلم أن ما وقع في المدخل من أن الحسن البصري أول من فتح الكلام في طريق القوم، وهو رضيع إحدى زوجاته عليه السلام، وهي أم سلمة يعني بعد علي، ثم وجدت القاضي ابن الحاج نقل في حواشيه على الدر الثمين عن التستري في رسالته العلمية أن الحسن البصري قال: أول من تكلم في التصوف والفقر علي. قال: ومن ثم جعله الوالد في نظمه للحكم واضعا لعلم التصوف. وفي الأزهار الطيبة النشر، لدى كلامه على واضع علم التصوف، وفي الذهب الإبريز للقاوقجي: أبو ذر الغفاري هو أول من تكلم في علم البقاء والفناء اهـ. وفي القوت للإمام أبي طالب المكي: كان الحسن البصري أول من نهج سبيل هذا العلم، وفتق الألسنة به، ونطق بمعانيه، وأظهر أنواره وكشف قناعه، وكان يتكلم فيه بكلام لم يسمعوه من أحد من إخوانه. فقيل له: يا أبا سعيد، أنت تتكلم في هذا العلم بكلام لم نسمعه من أحد غيرك فممن أخذت هذا؟ فقال من حذيفة بن اليمان. وقيل لحذيفة بن اليمان: نراك تتكلم في هذا العلم لا نسمعه من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فممن أخذته قال: خصني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ منه