موريتانيا بين محنة الإقصاء وأمل الإنصاف / د أحمدو ولد فال

في بلادٍ خُطّت على الرمل حدودها، وشادها أبناؤها بخيوط المحبة ووشائج الدين والتاريخ، ظل وطنُنا حتى وقت قريب وبعد عقود من الاستقلال، يرزح تحت ثقل ممارسةٍ موروثة لا تمتّ إلى دولة العدالة بصلة.
إنها تلك المحسوبيةُ المموّهة برداء الشرعية، التي جعلت التعيينات في الوظائف السامية، والتكليفات الحساسة، وحتى صفقات الدولة الكبرى، حكرًا على أسرٍ معدودة، تدور السلطة والامتيازات في فلكها كما يدور القمر حول الكوكب.
ومع توارث النفوذ، تكدّست الثروة، وتعمّق الجرح الاجتماعي، وازداد الإحباط، لا فقط في القرى النائية ولا في البيوت الفقيرة، بل في صدور شبابٍ حالمٍ، درسَ وتفوّق، ثم تكسّرت أحلامه على صخرة الأبواب الموصدة.
وفي هذا السياق، برزت شريحة الحراطين كأكثر الشرائح تأثرًا وتهميشًا، لا لعجزٍ فيها، بل لأن قاطرة التمكين لم تصلها يومًا، ولأنها لم تكن ضمن الأسر “الوراثية” التي تتحكّم في دواليب القرار.
ومع تعمُّق هذا الواقع المرّ، بدأت تتعالى الأصوات، بعضُها صارخٌ، غاضبٌ، متّهمٌ… تُلقي بالعنصرية على عاتق بعض مكونات المجتمع.
غير أن الحقيقة أبعد من ذلك، وأعمق.
فما عانت منه موريتانيا حتى وقت قريب هو إقصاء عام، وشبه هيمنة عائلية مركّزة، استفادت منها فئة من الأسر المحظوظة، انتشرت داخل مكون اجتماعي أكثر من غيره بفعل طبيعة التموقع السلطوي الذي عرفه البلد منذ نشأته.
وهذا ما يفسّر التفاوت في عدد الأسر المستفيدة، لا تفوّق مكوّن على آخر، ولا تفريط من البقية، بل دورة سلطوية ووراثة ما تزال تحكم المشهد منذ فجر الدولة الحديثة.
وعليه، فالمشكلة ليست شريحة، بل سلوك. وليست نسبًا، بل نظامًا.
ما نطلبه ليس تعويضًا لشريحة معينة، بل العدالة وتكافؤ الفرص.
ما نرجوه ليس امتيازًا جديدًا، بل هدم الامتيازات القديمة، وفتح المجال على مصراعيه أمام جميع أبناء الوطن، بلا تمييز، ولا وراثة، ولا مُحاباة.
إن موريتانيا، بكل تنوعها، لا يمكن أن تستمر إلا بوحدةٍ مؤسسة على الإنصاف، لا على التوارث، وعلى دولةٍ تحمي الجميع، لا تُخصّ أحدًا.
فلنُحسن الإصغاء إلى ما تقوله الهِمَم المهمشة،
ولنمنح هذا الوطن فرصةً جديدة للعدل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى