الأرشيف الفرنسي يفرج عن مجموعة من الاتفاقيات مع الموريتانيين (الحلقة الأخيرة) / سيدي أحمد بن الأميرDYj

في هذه المقالة السادسة والأخيرة سأتحدث عن اتفاقيات الفرنسيين مع مجموعتي أولاد خليفة وإدَكْبَاچَه، وهما اتفاقيتان في غاية الأهمية نظرا للدور الذي كانت تلعبه هاتان المجموعتان في الگبلة أو ما بات يعرف بمنطقة الترارزة، فإحداهما وهي أولاد خليفه وهم من أولاد رزگ من بني حسان والأخرى إدَگْبَاچَه من انيرزيگ من الأنباط من بقايا المرابطين؛ وهو ما يوضح أن تأثير هذه المجموعات لم ينقطع بإزاحتها من الواجهة السياسية، وحتى مع أخذ إمارة الترارزة المغفرية للسلطة وسيطرتها على المجال فقد ظل لهذه المجموعات تأثيرها، مع العلم أن هاتين المجموعتين تحالفتا مع إمارة الترارزة وصارتا جزءا لا يتجزأ منها، وظلتا وازنتين ومؤثرتين.

اتفاقية أولاد خليفه.. المكانة السياسية واستقلالية القرار

وقع زعيم أولاد خليفه: إبراهيم بن المختار اتفاقية مع الفرنسيين بتاريخ 28 إبريل 1829، وإبراهيم هذا من أحفاد الزعيم الرزگاني رئيس أولاد خليفه في القرن السابع عشر وُدَيْكَه بن أبي أيوب الخليفي المتوفى سنة 1092هـ أي 1681م والذي لعب دورا أساسيا في الإيقاع بقبائل الزوايا أثناء حرب شرببه. ويقول ابن حامدٌ في جزء بنى حسان: “وُديكَه بن أبي أيوب الذي دبر الحيلة على زوايا شرببه وذلك أنه نزل عنده سبعون قاضيا لجباية الزكاة فأرسل إلى المغافرة بغرتهم بعد أن أسر سيوفهم بقد فجاء المغافرة وقتلوهم جميعا”.
وصاحب هذه الاتفاقية هو إبراهيم بن المختار بن صمبه بن أعمر بن يحظيه بن أحمد بن أعمر بن وًديكه الخليفي. وجد الأعلى يحظيه الخليفي هو الذي قتله أمير الترارزة اعلى الكوري بن أعمر بن اعلي شنظورة بسبب منافسته له في إتاوات النصارى.
وكان أولاد رزگ عموما من أعظم قبائل بني حسان سلطانا وأقواهم شكيمة فقد امتد نفوذهم على المكان وشاع صيتهم عبر الزمان، وامتد حكمهم من آدرار إلى منطقة الگبلة وفوته على ضفة النهر أي ما يعرف اليوم بمنطقتي البراكنة والترارزة، كل هذا الفضاء الواسع كان مجال سلطة أولاد رزگ، الذين اشتهروا بالنخوة والأنفة، حتى صارت كلمة اترزگي في لغة بني حسان مرادفا لتلك المعاني، وكان أول من ملك بمنطقة الگبلة منهم أولاد رحمون بن رزگ، ثم تغلب عليهم بنو عموتهم أولاد بو علي وأولاد اخليفة وأجلوهم.
وقد تحالف أولاد خليفه مع الترارزة، وأصبحوا جزءا هاما من الإمارة، إلا أن ذلك لم يمنعهم من الحفاظ على استقلاليتهم، وإبرام الاتفاقيات التجارية مع الفرنسيين كما توضح هذه الاتفاقية.
ويبدو من خلال هذه الاتفاقية أن أولاد خليفه حالفوا الفرنسيين في حربهم مع الترارزة، وأن هذه الاتفاقية جاءت في ذلك السياق، وهو توطيد العلاقة بين الإدارة الفرنسية في سان لويس وبين زعامة أولاد خليفه. وأن الفرنسيين مستعدون لجعل منطقتي شمامه ووالو الواعقتين تحت نفوذهم مفتوحة أمام مصالح زعامة أولاد خليفه ومن ومعهم.
كما تنص الاتفاقية على منح الزعيم إبراهيم بن المختار إكرامية مع بداية كل سنة وذلك بدءا من يناير من سنة 1830م. وتضم تلك الإكرامية بعض قماش النيلة والسلاح والبارود فضلا عن تكاليف ضيافة الزعيم إبراهيم كلما حل ضيفا بمدينة اندر.
وفي المقابل يلتزم الزعيم إبراهيم بالترتيبات التي تطلب منه الإدارة الفرنسية بخصوص عبور من هم تحت سلطته بين الضفتين وغير ذلك من الترتيبات واللوائح. وإذا لم يلتزم بذلك تصبح الاتفاقية لاغية.

اتفاقية إدَگْبَاچَه.. مجموعة انْيَرْزِيكْ والاستمرارية في الزمان والمكان

وقع الفرنسيون مع زعيمي إدگباچه: أحمد ولد اعلي واعبيد ولد محمود اتفاقية بتاريخ 22 مايو 1832، وهي اتفاقية لا تختلف كثيرا في مضمونها عن اتفاقية أولاد خليفه معهم.
ومن المعلوم أن قبيلة إدَگْبَاچَه من قبيلة انيرزيگ من أنباط الگبله وهم من بقايا المرابطين. ويذكر المختار بن حامدٌ أن مجموعة إدَگْبَاچَه تتكون من أهل أگد أحمد، وأيتال، وإيدوبجه، وايدانبيك، وايفلان. وكانوا جميعاً بطوناً كثيرة، ولا سيما أيتال. ولم يبق منهم اليوم إلا عائلة أهل أعمر جوب من عرب إيدوبجه، وإلا أهل محم بن أعمر، من طلبة ايتال في الركاكنة من تندفه، وإلا أهل الدوف، من طلبة أهل أگد أحمد، في ايدواچ من تندغه.
ويشكل إدَگْبَاچَه وتغرجنت معا قبيلة انْيَرْزِيكْ وهم من الأنباط من المرابطين وكانوا في غاية القوة والمنعة، وقد شكلوا قبل بسط أولاد رزگ نفوذهم على المنطقة سلطة قوية في الجنوب الغربي الموريتاني ونواتها أنباط الگبلة أي قبيلة انْيَرْزِيكْ، وكانت لهم صلات تجارية في القرن الخامس عشر الميلادي مع البرتغاليين مذكورة في الأرشيف البرتغالي. وفي المثل الشعبي: “إبل انْيَرْزِيكْ” ويضرب للأمر الذي لا مطمع فيه؛ لأن “انْيَرْزِيكْ” ليسوا ضعفاء فتسلب منهم إبلهم ولا كرماء فيجودون بها. وقرب مصب نهر السنغال في المحيط الأطلسي في جانب الأراضي الموريتانية يوجد مجرى مائي يسمى “كراع انْيَرْزِيكْ” نسبة لهذه القبيلة ويسمى في الخرائط الأوروبية في القرون الماضية بحيرة البعوض.
وقع هذه الاتفاقية التي بين أيدينا عن مجموعة إدگباچه الزعيمان: أحمد ولد اعلي واعبيد ولد محمود وعن الجانب الفرنسي الوالي العام بمدينة سان لويس رينو دو سان جيرمان.
وتنص في ديباجتها على رغبة الجميع في إيجاد جو من السلم والصداقة بين الطرفين.
وتنص المادة الأولى على أن أفراد مجموعة إدگباچه يمكنهم دخول اندر بحرية حتى في حالة الحرب بين الفرنسيين والترارزة. وتنص المادة الثانية على عدم انضمام زعيمي إدگباچه لأي مشروع من شأنه معاداة الفرنسيين. أما المادة الثالثة على أنه في حالة وقوع أي فعل عدائي ضد فرنسا من طرف الزعيمين أو أفراد مجموعتهما فإنه يحرم عليهم دخول مدينة سان لويس.

يتواصل..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى