لماذا تتجه أنظار حلف “الناتو” نحو القارة الأفريقية
العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أثبتت للغرب أنّ روسيا قوة عالمية لا يستهان بها، لذا بدأت دول حلف الناتو بالسعي لتعزيز حدودها، فتوجهت أنظارها نحو الحدود الجنوبية، أي القارة الأفريقية
لفت حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأنظار بدعوته موريتانيا إلى حضور قمته الأخيرة في مدريد، مظهراً بذلك اهتمام الغرب الواضح بالقارة الأفريقية، والأجزاء الغربية منها على وجه الخصوص.
وأعلن الحلف عزمه اتخاذ إجراءات خلال أشهر لتعزيز التعاون مع موريتانيا، واصفاً نواكشوط بـ”الشريك الرئيس له وبالدولة المحورية في المنطقة”.
وكانت موريتانيا بدأت منذ سنوات تعزيز تعاونها وتنسيقها العسكري والأمني مع حلف شمال الأطلسي، وزار عدد من كبار القادة العسكريين في الناتو نواكشوط وقواعد عسكرية في شمالي البلاد وشرقها خلال هذه السنة.
هواجس إسبانيّة تحرّك أنظار الناتو
دفعت إسبانيا والدول الأعضاء الأخرى بهدوء التحالف الغربي إلى النظر في زيادة التدخل في الغرب الأفريقي أخيراً، بذريعة وجود مرتزقة روس في هذه الدول يهدّدون الأمن الجنوبي للقارة الأوروبية.
انطلقت إسبانيا في تحريكها لأطماع الغرب الإستراتيجية في القارة الأفريقية من وثيقة المفهوم الإستراتيجي التي تضم بنداً رئيساً ينص على أن الهجوم على عضو واحد يُنظر إليه على أنه هجوم على الجميع.
ويبدو أن هناك إجماعاً بين أعضاء الناتو الذين حضروا قمة مدريد على أنّ روسيا بعد عمليتها العسكرية في أوكرانيا وتقدّمها على جبهات عدة، باتت تشكل خطراً على الحلف الذي يسعى لمواصلة توسيع رؤيته عالمياً، حيث تتشاطر بريطانيا وفرنسا وإيطاليا موقف إسبانيا المتمثل في زيادة التركيز على “الجنوب”.
مبررات التدخل الغربي في أفريقيا
من وجهة نظر دول الناتو، تنشأ التحديات الأمنية في أفريقيا، بحسب زعمهم، من الوجود الروسي الفعلي في القارة السمراء عبر قوات “فاغنر”، في الرقعة التي تمتد من السنغال حتى السودان.
ومن المرجح أيضاً أن يُدرج الناتو في الوثيقة الإستراتيجية الجديدة بنداً يتعلق بالنفوذ العسكري الصيني المتزايد داخل المحيط الهادئ وخارجه، بعد أنّ حذر الجنرال الأميركي ستيفن جيه تاونسند، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، دول الناتو من نية الصين بناء قاعدة عسكرية بحرية في أفريقيا على ساحل المحيط الأطلسي.
وقال: إنّ “لدى بكين أكبر قدر من الجاذبية” نحو إقامة قاعدة في غينيا الاستوائية الغنية بالنفط.
وفي الواقع، لا تشغل الصين سوى قاعدة عسكرية أجنبية واحدة معترف بها، وتقع في جيبوتي بشرقي إفريقيا، هدفها مكافحة القرصنة وضمان أمن مضيق باب المندب، وخصوصاً ضمان أمن السفن الصينية التي تمر عبر هذا المضيق، بحسب تصريحات الخارجية في جيبوتي.
وصرّحت مدريد أنها تشعر بالقلق إزاء “الفوضى والحركات الإسلامية العنيفة في منطقة الساحل”، وهي منطقة شاسعة تمتد عبر جنوب الصحراء الكبرى، لذا دعت الحلف إلى صب جزءٍ من اهتمامه نحو أمنه الجنوبي.
ويبدو أن مطالب بعض دول الناتو توجيه الأنظار إلى القارة الأفريقية لاقت ترحيباً لدى الحلف عموماً، حيث قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يانس ستولتنبرغ، في مقابلة نشرتها في صحيفة “الباييس” الإسبانية ، إن الحلف “سيعزز تعاونه مع دول الجنوب”، مشيراً إلى موريتانيا على وجه الخصوص.
المصالح أولاً.. هل عين الناتو على الغاز الأفريقي؟
يأتي الاهتمام الأخير بالقارة الأفريقية، وبموريتانيا على وجه الخصوص، بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما تلاها من عقوبات غربية على روسيا حظرت الغاز الروسي وقلّصت مروره نحو دول أوروبا، ما لوّح ببوادر شح في موارد الطاقة، فهل وجد الحلف في أفريقيا البديل؟
بحسب تصريحات وزير النفط الموريتاني، فإن ابتعاد أوروبا عن الغاز الروسي يوفر سوقاً جاهزة ومربحة لمشروع ضخم يجري تطويره في غربي أفريقيا، نظراً إلى خفض روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا وسعي الأخيرة للحد من اعتمادها على الغاز الروسي، فإن لدى أفريقيا فرصة لسد الفجوة.
وتابع عبد السلام ولد محمد صلاح لمنتدى الطاقة الأفريقي في بروكسل “في فترة السنوات العشر هذه من الآن حتى عام 2030، تعطى الأولوية لاستغلال كل إمكانات البلاد من حيث الغاز، والأسعار الأخيرة فتحت الفرصة لموريتانيا والسنغال ودول أفريقية أخرى لتصدير مزيد من الغاز إلى أوروبا”، متابعاً: “أوروبا بحاجة إلى تنويع موارد العرض، حتى لا تفوتنا هذه الفرصة الرائعة”.
وستكون موريتانيا جاهزة لأداء دور فعال في تخفيف وطأة أزمة الغاز الحالية في أوروبا، خصوصاً بعد إعلان انتهاء التحضيرات لتشغيل مشروع “تورتو أحميم” للغاز الذي يمتد على جانبي موريتانيا والسنغال. ومن المقرّر أن يبدأ الإنتاج بحلول عام 2023.
وقال وزير البترول ولد صالح: “سنكون قادرين على إنتاج 2.5 مليون طن سنوياً، وهو ما سيضع السنغال وموريتانيا في قائمة الدول المنتجة للغاز الطبيعي”.