المــــــــُـــــواطنة؛ بقلم الكاتب سيدأحمد طالبن
كلمة ” وطن” في اللغة العربية لم تكن متداولة اطلاقا بالمعنى الذي صارت تُتٓداوٓل به ابتداءً من عصر النهضة، عصر اللقاء أو الصدام بالحداثة الغربية، الوطن مفهوم واسع لا يمكن حصره في كلمات قليلة، فالوطن هو المكان الذي يضمنا بين أحضانه، هو البيت الكبير الذي تستريح فيه النفس، و تأوي إليه الروح، هو الأرض الرٌٓحبة التي نحيا فيها و نموت، مفهوم الوطن واسع باتساع الحياة، فهو مرتبط بالعاطفة أكثر من العقلانية، لكن هل يٓعُدُّه البعض حفنة تراب؟ أم قطعة قماش و أغاني و أهازيج و أناشيد تعلن عن الانتماء أو العكس؟ أم كومة أوراق محدودة الأجل ؟ و هل هو قابل للتجسيد و التجسيم؟
تختلف تقاليد و نهج المواطنة على مر التاريخ و حول العالم وفقا للدول و تاريخها و المجتمعات و الثقافات و الأيديولوجيات المختلفة، مما نتج عنه اختلاف في تفسير مفهوم المواطنة.
يعود أصل المواطنة إلى اليونانية القديمة عندما كان ” المواطنون ” هم أولئك الذين لديهم الحق القانوني بالمشاركة في شؤون الدولة، فالجميع كانوا مواطنين، و بالنسبة لأولئك الذين لم يتمتعوا بمركز مميز كمواطنين فإن فكرة ” الفضيلة المدنية ” أو كونهم ” مواطنين جيدين ” كان جزءا هاما من المفهوم بما أن المشاركة لم تعتبر حقا فحسب، و لكن أيضا و قبل كل شيء، واجب. و كان يعتبر المواطن الذي لا يفي بمسؤولياته معطلا اجتماعيا.
ينعكس فهم المواطنة في فهم اليوم الأكثر شيوعا للمواطنة كذلك، و الذي يتعلق بعلاقة قانونية بين الفرد و الدولة، فمعظم الناس في العالم مواطنون قانونيون مما يخول لهم بعض الامتيازات و الحقوق.
في الوقت الحاضر تعني المواطنة أكثر من مجرد البناء القانوني، فهي تتعلق بشعور الشخص بالانتماء ؛ على سبيل المثال : الشعور بالانتماء للمجتمع، و الذي يمكن أن تشكل و تؤثر فيه بشكل مباشر، و يمكن تعريف هذا المجتمع من خلال مجموعة متنوعة من العناصر؛ رمز أخلاقي مشترك أو مجموعة متطابقة من الحقوق و الواجبات، أو الولاء لحضارة مشتركة، أو الشعور بالهوية.
في العلاقة بين الفرد و المجتمع يمكننا أن نميز أربعة أبعاد، و التي ترتبط بالأنظمة الفرعية الأربعة التي يمكن للمرء أن يدركها في المجتمع و هي أساسية لوجوده؛ البعد السياسي و البعد الاجتماعي و البعد الثقافي و البعد الاقتصادي، تتحق هذه الأهداف الأربعة للمواطنة من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية في المدرسة و الأسر و المنظمات المدنية و الأحزاب السياسية، و كذلك من خلال الجمعيات و وسائل الإعلام و اللجان الشعبية.
كما هو الحال مع أرجل الكرسي الأربعة لابد أن يكون كل شخص قادرا على ممارسة الأبعاد الأربعة بطريقة متوازنة و متساوية و إلا ستكون المواطنة الكاملة غيرٓ متوازنة.
إن أكبر تحدي في المواطنة للفرد العربي، هو تفعيل قيمة الأخوة التي أفرزتها الأمة العربية و الإسلامية على مدار القرون الماضية، و تأصيل مضمونها، و تقنينه بحيث يصبح مناسبا للعصر، و يستفيد هذا التحدي من حقيقة ضخمة يغفل عنها الجميع و تفتقدها أروبا و غيرها من الدول و الأوطان، و هي أن هناك أمةً عريقة موحدة الثقافة تسكن المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج.