قفزة في تطوير علاج السرطان.. باحثون ينجحون في علاج أورام صلبة
تمكّن العلماء لأول مرة من علاج مرضى يعانون من سرطان القولون والثدي والرئة وذلك عبر الجمع بين تقنية التحرير الجيني وهندسة الخلايا المناعية، مما ساعد الخلايا المناعية على مجابهة الخلايا السرطانية.
واستخدم العلماء -في تجربة سريرية مصغرة تجرى لأول مرة على البشر- تقنية التحرير الجيني “كريسبر” (CRISPR) لتعديل بعض الجينات التي تسمح للخلايا المناعية بالتعرف وتركيز الهجوم على الخلايا السرطانية، ومن ثم تدميرها دون المساس بالخلايا الطبيعية. وقد نُشرت الدراسة في دورية “نيتشر” (Nature) في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وطبقا للبيان الذي نشرته “جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس” (University of California, Los Angeles)، فقد تم اختبار هذا النهج على 16 شخصا يعانون من أورام صلبة، في الثدي والقولون والرئة، ممن لم يستجيبوا لأي من العلاجات الأخرى.
نهج جديد
وتعد هذه هي المحاولة البحثية الأولى التي يجمع فيها العلماء بين نهجين بحثيين حديثين في مجال أبحاث السرطان، وهما:تحرير الجينات لإنشاء علاجات مخصصة.
وهندسة الخلايا المناعية (الخلايا التائية على وجه التحديد) لاستهداف الأورام بشكل أفضل.
ويذكر أن تقنية التعديل الجيني قد تم استخدامها من قَبل في البشر بهدف إزالة بعض الجينات من أجل السماح لجهاز المناعة بأن يكون أكثر فاعلية ضد السرطان. غير أن هذه الدراسة الجديدة ذهبت لأبعد من ذلك بأن أدخلت جينات جديدة في الخلايا المناعية ومن ثم إعادة توجيهها بكفاءة حتى تتمكن من التعرف على الطفرات الموجودة في الخلايا السرطانية للمرضى.
وعندما تحقن هذه الخلايا المناعية المعدلة جينيا في المرضى، فإنها تذهب بشكل انتقائي إلى المنطقة السرطانية، ومن ثم تصبح أكثر أنواع الخلايا المناعية الممثلة في تلك المنطقة.
علاج مخصص لكل مريض
ويحتوي الجهاز المناعي على نوع من الخلايا المناعية المعروفة باسم الخلايا التائية، والتي تقوم بدوريات فحص للجسم وخلاياه بحثا عن أي عطب أو مشكلة. وتحتوي الخلايا التائية على مستقبلات خاصة تقوم بالتعرف على العدوى أو الخلايا العطبة أو السرطانية وتمييزها عن الخلايا الطبيعية.
غير أن قدرة الخلايا التائية في التعرف على الفيروسات تعد أسهل من قدرتها في التعرف على الخلايا السرطانية. ذلك لأن الفيروسات هي أجسام مختلفة وشاذة تدخل إلى الجسم، لكن الخلايا السرطانية هي في حقيقة الأمر نسخة تالفة من خلايانا.
وبالإضافة لذلك، فإن كل ورم فريد في نوعه ويختلف من مريض لآخر. ولذا، فإننا بحاجة إلى عزل هذه الخلايا المناعية من المريض نفسه (فيما يعرف باسم الطب الشخصي)، ومن ثم تعديلها جينيا وإدخالها مرة أخرى ضمن خلاياه المناعية. ويعرف هذا النهج باسم العلاج الخلوي الشخصي.
وبالتالي، فإن الفكرة الجوهرية التي تقوم بشأنها هذه الدراسة تتلخص في زيادة مستويات الخلايا التائية التي يمكنها التعرف على السرطان ومجابهته. كما يجب أن تكون هذه الخلايا مصممة لكل مريض.
العلم باب الأمل
وقد أفاد باحثو الدراسة الحالية بتوصلهم إلى طريقة فعالة لعزل هذه الخلايا التائية النادرة -والتي يمكنها التعرف على السرطان- من دم كل مريض من المرضى الــ16. والجدير بالذكر أن هذه التقنية هي متاحة الآن في العيادات الطبية من خلال شركة “باكت فارما” (PACT Pharma).
وباستخدام هذه الطريقة، قام الباحثون بعزل الخلايا المناعية التي استطاعت التعرف على 350 طفرة من طفرات المريض نفسه، وبالتالي كان إجمالي الطفرات المستهدفة أكثر من 5 آلاف طفرة.
ومن ثم درس الباحثون التسلسل الجيني لمستقبلات هذه الخلايا المناعية التي استطاعت التعرف على الطفرات السرطانية، مما مكنهم من التعرف على 175 مستقبلا جديدا أمكنه التعرف على الخلايا السرطانية.
ومن خلال خطوة واحدة، أدخل الباحثون هذه الجينات الجديدة مرة أخرى في الخلايا المناعية للمريض باستخدام تقنية “كريسبر”، ومن ثم حقنت المستحضرات الخلوية المعدلة جينيا مرة أخرى -بعد إعطائهم علاج تهيئة كيميائي- في المرضى. وقد ساعد هذا النهج في علاج 16 مريضا من مرضى السرطانات الصلبة بما في ذلك سرطان القولون والثدي والرئة.
ويصف الدكتور أنتوني ريباس، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، هذه النتائج بأنها “قفزة هائلة إلى الأمام نحو تطوير علاج شخصي للسرطان”، وذلك وفق ما نشرته شركة “باكت فارما” في بيانها الصحفي الخاص بالدراسة.
ويختتم ريباس قائلا “إن إنتاج علاج خلوي شخصي للسرطان لم يكن ممكنا بدون التطور الحديث الذي أتاح لتقنية كريسبر استبدال المستقبلات المناعية في الخلايا المعدة سريريا وذلك في خلال خطوة واحدة”.