ليته كان كلاماً مترجماً على الواقع بدلاً من مجرد التحدث (تدوينة)

جلسنا معا في ذلك المقهى الهادئ، الذي كان يعتبر بمثابة مسرح حوارنا المعتاد. كانت الأجواء مليئة بالهدوء والأناقة، و كنا نتحدث عن مستقبلنا الوظيفي وآفاقنا الجامعية، وكان يحدثني عن أحلامه الطموحة في أن يكون جزءًا من مركز القرار، ويعمل على تحسين وضع البلد. كان يبدو وكأنه لم يستسلم لليأس، وما زال يحمل في قلبه الأمل الذي يعززه للمضي قدمًا نحو طريق النجاح.

فبحسب حديثه، مازال متمسكًا بطموحه الكبير وقد كان يبدو عليه الحماس والإصرار على تحقيق هذا الحلم.

أعجبتني شجاعته وتفاؤله، فقلت له بصوت مليء بالإعجاب: “أنت شخص مذهل، أتمنى لك التوفيق في تحقيق أحلامك، وأن تصبح جزءًا من إصلاح الوضع في بلدنا الحبيب”.

استمر الحديث بيننا عن واقع البلد، وكيف يمكننا جميعًا تحسين واقعنا، والمستقبل الذي نصبوا إليه. أخبرني عن كتاب قرأه حديثا ، يتحدث عن تجارب دول متقدمة وكيف استطاعت تحقيق التقدم والتطور في مجالات مختلفة، وكيف أن الشباب كانوا اللبنة الأساسية في هذا التقدم، طلبت منه أن يعيرني هذا الكتاب لأقرأه وأستفيد منه، وبدوره وافق بسرور.

بدأنا نتحدث عن ذكرياتنا الطريفة والمضحكة. كانت الأجواء ممتعة مرحة، وكانت النكات المتبادلة تدل على مدى صداقتنا وترابطنا القوي .

في النهاية، انتهى الحوار وتوادعنا على أمل اللقاء في المستقبل، ومشاهدة المباراة القادمة للكلاسيكو معاً. كان هذا اللقاء يُشعِرُني بالبهجة والراحة، فكان من اللطيف أن نقضي سويا كل تلك اللحظات الثمينة.

كانت الأوقات المنفردة والهادئة في البيت هي ما ينقصني، بعد يوم شاق في الجامعة، وكان من الجيد أن أعود إلى بيتي الصغير، وأستلقي على الكنبة الناعمة، بينما تمتد قدماي على الأرض المفروشة بالسجاد الأحمر. كانت النافذة المفتوحة تدخل الهواء النقي الذي يحمل معه رائحة المطر، إذ بدأت زخاته تتساقط بشكل خفيف خارج المنزل، بدأت أستنشق الهواء بشغف مما أعطاني شعورا بالانتعاش.

قررت تشغيل التلفزيون، ومن ثم مراسلة أصدقائي عبر الإنترنت -كم كنت أستمتع بالحديث معهم- وفي أثناء ذلك، فتحت على قناة الأخبار فوجدت رئيس البلد يجري مقابلة تلفزيونية. كان فضولي يدفعني للاستماع إلى ما يقوله.

سأل الصحفي الرئيس عن خطته لتحسين واقع الشباب، حيث أن جلهم يعاني من البطالة. فأجاب الرئيس بكلمات رنانة ووعود مبهمة، مؤكداً على أنه سيحقق أحلام الشباب، وسيوفر لهم فرص العمل، والتعليم، والتطوير.

كانت كلماته تحمل في طياتها الأمل والتفاؤل، وكانت تجعلني أشعر بأنه فعلاً سيقوم بتحقيق كل ما وعد به. لكن بعد الانتهاء من المقابلة وإغلاق القناة، لم أستطع إخفاء شكوكي ولا الاحتفاظ بنظرة إيجابية.

ليته كان كلاماً مترجماً على الواقع بدلاً من مجرد التحدث أمام “الإعلام”، قلت في نفسي بعد سماع الإجابة. لا يجب أن تكون لدينا أي ثقة في الوعود السياسية، وشعرت بالحزن على حالة الشباب في بلدي، الذين يعانون من البطالة والفقر.
كنتُ أفكرُ في ذلك عندما تذكرت حديثي مع صديقي قبل قليل في المقهى، حيث كان يتحدث عن حلمه في أن يكون في مركز القرار لإصلاح واقع البلد.

تفحصت بعد ذلك الكتاب الذي أعرته من صديقي، والذي يتحدث عن تجارب دول كانت فقيرة وأصبحت متقدمة. كان يبدو أنه كتاب شهير من أكثر الكتب مبيعاً.

كنت أتأمل فكرة أننا كشباب يجب أن نأخذ زمام الأمور بأيدينا ونحاول تغيير الواقع.
بدأت أقرأ بشغف وتمعن في تفاصيل الحكايات الملهمة، حيث قرأت عن دول كانت تعاني من الفقر والجهل والفساد وكيف تغيرت وأصبحت متقدمة ومزدهرة. كانت القصص مثيرة للإعجاب ولطالما أثرت في نفسي بطريقة لا يمكن وصفها.

راجعت القصص التي قرأتها مرارا، وكيف عانى الناس فيها، وكيف تمكنوا من النهوض والتغيير. شعرت بأنني أستطيع مع صديقي القيام بشيء مثل هؤلاء الناس وأننا قادرون على التغيير، وعلى أن نكون جزءًا من الحلول.

لقد أثار الكتاب في داخلي شغفًا وحماسًا كبيرًا للبحث عن الطرق الصحيحة لتغيير الواقع وجعل بلدي ينضم إلى مصاف الدول المتقدمة.

وفي غضون ذلك تذكرت الحكمة التي تقول بأن : “التفكير العالي و الأسلوب الراقي يسمح لنا برؤية الأفق البعيد وتحديد الأهداف الكبرى، ولكن الطموح هو ما يدفعنا للعمل الجاد والمثابرة لتحقيق تلك الأهداف وبناء مستقبل أفضل لأنفسنا وللعالم من حولنا. فقط بذلك يمكن للإنسان أن يصنع التغيير ويحقق الإنجازات العظيمة”.

بقلم: إبراهيم أخليل ولد عالي 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى