أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب تحقيق روض الخصيب في شرح نفح الطيب

تم بحمد الله وتوفيقه صباح يوم السبت 24 جمادى الثانية 1442 هـ/ الموافق للسادس من فبراير 2021 م مناقشتي لأطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في الآداب، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية عبد المالك السعدي بتطوان ” تكوين النص الادبي العربي القديم” في موضوع :”الروض الخصيب بشرح نفح الطيب في الصلاة على النبي الحبيب” تأليف الشيخ سيدي محمد الخليفة الكنتي المتوفى ببلاد أزواد عام (1242هـ/1826م) – دراسة وتحقيق – بإشراف الدكتور الطيب الوزاني الشاهدي (حفظه الله).

والمؤلف هو الابن الخامس للشيخ الصوفي والعلامة الرباني سيد المختار الكنتي الكبير، وخليفته من بعده ووارث سره وعلمه.

يعد الشرح أو التفسير – حسب الرسالة- أهم أشكال التأليف التابع الذي يدور حول نصٍ محوري، كما يعد من أهم علاقات التأليف وأكثرها استمراراً وتجديداً عبر العصور. وقد عرف التأليف العربي منذ نشأته حتى الآن أصولاً وتقاليد يلتزم بها الشارح، والمفروض أن كل من وضع كتاباً إنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح ولو لفئة معينة على الأقل يخاطبها المؤلف “فالنصوص في نشأتها أبنية معرفية تتصل اتصالاً وثيقاً بالعالم الخارجي عن طريق الارتباط والدلالة المباشرة”.

من خلال التجربة التي يخوضها النص وتفسيره معاً يمكن أن نتصور التفسير أو الشرح عربة تحمل كثيراً أو قليلاً من مغزى النص أو جدواه في مسار زمني- معرفي يصبح النص من خلاله قابلاً – نسبياً- للمرور من خلال الخبرات الفردية المتباينة للقراء الذين يقومون خلال “الاتصال القرائي” بدورهم في إعادة تفسير الرسالة، وهو ما يميز القراءة كفعل اتصال كامل وقد تتحقق بذلك الغاية من التفسير وهي تحقيق أقصى ما يمكن من الانسجام العقلي رغم وجود أقصى ما يمكن من التنوع الفردي لدى المستقبلين.

تتجلى قيمة الشرح من قيمة الكتاب المشروح والذي يعتبر من مجاميع الصلوات أو الدلائل لكونه صيغ على شاكلة “دلائل الخيرات” للشيخ الجزولي (ت.870هـ)، ولهذا النمط من الكتابة، والكتابة الصوفية عامة أهمية كبيرة تتأتى من كونه خلاصة تجربة صوفية – من الترقي المنازل والمقامات- تكتسي الطابع الشخصي والباطني، فكُلٌ ينطق بحسب قول القشيري (ت.456هـ) بما وقع له، ويشير إلى ما وجده في صفته، وكلامهم في الطريق وفي التصوف عامة متفاوت بتفاوت منازلهم ومقاماتهم العرفانية، فـ”كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز”، ولعل صلوات الشيخ هاته أفضل ما يمكن أن يبرز لنا كسوة قلب هذا الرَّجل ومقامه بين رجالات التصوف والعرفان؛ سواء من حيث النَّفَس الصوفي أو المحتوى العرفاني، وأيضاً من خلال جزالة الصياغة وقوة النسج الأسلوبي، واعتماد السَّجع كضرب من الضروب الفنية التي جارى بها الأساليب المعتمدة في عصره، والصلاة تمثل خلاصة التجربة والمكابدة والعرفان والعلوم والدقائق في رحلة السير الى الله ومعرفة الله وتزكية النفس.

لا شك أن مكانة هذا الشيخ العلمية والصوفية، وقيمة صلواته، فضلاً عن كثرة الزوايا المختارية في الغرب الإفريقي وكثرة مريديها قد حدت بعض العلماء إلى شرحها وانتخاب فوائدها…..

ويكتسب هذا الشرح قيمته العلمية أنه كتب في حياة والده الذي كان يراجعه ويفسر بعض ما اشكل عليه حيث قال: “ولولا ما أمر به الله من مُراجعة الشيخ عند الاشتباه والعرض عليه عند إثبات ما أصَّلناه؛ لم أكن ممن يضع قَلَماً فيه، أو يخرج شطر كلمة من فيه”. كما حلاَّه بوصف دقيق ماتع فقال: “ثم لـمَّـا أكمل الشيخ -أبقاه الله- هذا المجموع العجيب التراكيب، الغريب الأساليب؛ الذي أفرغت عليه مُزن الثواقب من علوها الغرائب ما كان به أُسَّاً للعجائب، فللعين في رياض مبانيه مسارح، وللفائدة في غياض معانيه مطامح؛ لما فيه من دقائق العلوم والآداب، وحقائق السير النبوية والأنساب، وغوامض الأسرار وغوامض الحكم الغزار، وجوامع الكلم المهذبة وبدائع الحكم المستعذبة، ودقائق الرموز الغيبية، شامل لمصائد شوارد الفوائد، ناهل من فرائد الفضائل في أعذب الموارد… ولعمري لقد كساه الشيخ بزة رفيعة من بدائع الصلوات، وأبدع فيما أودع فيه من جوامع الدعوات، وأفرغ عليها من ودائع همته العليَّة من نواظر التوجهات ونوائر التعرفات؛ ما مبانيه أرق من النسيم، ومعانيه أروق من التسنيم…”.

فلا غرابة في ذلك وهو الشيخ والعالم الذي فاق علمه زمنه، فقد تربى وتعلم وتصدر، وكان يأتيه العالم المتفنن وقد جاب أصقاع الدنيا طلباً للعلم فيجلس بين يديه كالمبتدئ، وقد جاء هذا المُؤَلَّف كواسطة العقد بين مؤلفاته عِلقٌ نفيس يتيمة اللؤلؤ النضار، وتحفة تفوق كل التحف، سهل سبيله وعز مسلكه.
إن مؤلفنا بحكم تكوينه العلمي والموسوعي وما اكتسبه من جهاز نقدي طوال مسيرته التعليمية على يد والده قد استغل جهازه المعرفي في التّعامل مع هذه اللّغة لتوافق مقتضيات الخطاب التفسيري، فعندما يعبر عن أفكاره مستعملاً اللّغة المباشرة يقدم وصفًا دقيقًا يسهل على المتلقي العادي فهمه والمتخصص تأويله وتحليله؛ وكأنه يكتب لمختلف الطبقات من القراء.

والكتاب ذكره ابن المؤلف سيدي المختار(الصغير) (ت.1264هـ/1847م) في “الرسالة العجالة الرائقة في العمالة” التي أرسلها إلى السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام، (وهي نسخة محفوظة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم: (2114)، (11999)، وكان الكتاب هدية من الشيخ للسطان مع وفد يرأسه بابا أحمد بن عبد الرحمن حيث قال: “… تشوفك وتعطشك إلى تآليف الشيخين الوالد والجد، وقد قدَّمت بين يدي نجوى كتابي إليك شرح الشيخ الوالد المدعو بـ”الروض الخصيب على نفح الطيب في الصلاة على النبي الحبيب” للشيخ الجد الكبير، هدية صغيرة الجرم، كثيرة العلم، قليلة العدد كثيرة المدد، نافعة مفيدة…” هذا وتبرز الرسالة عمق الصلات والروابط الروحية والفكرية… بين المغرب وعمقه الإفريقي.

وتكونت اللجنة من السادة الأساتذة :
أد . ابراهيم إيمونن رئيساً
أد .عبد الكريم المرابط الطرماش. نائباً عن المشرف
د . النعمة علي ماء العينين من كلية الآداب ابن زهر أكادير. عضواً
د .محمد شرايمي . عضواً
وبعد المداولة برئاسة السيد العميد قررت اللجنة منحي درجة الدكتوراه في الآداب بميزة مشرف جدا مع توصية اللجنة العلمية بطبع الأطروحة.
ومن حسنات هذه المناقشة العلمية أنها ضمت تخصصات مختلفة وكوادر علمية لها إسهام بارز في المشهد الفكري والثقافي الوطني والدولي. وبهذه المناسبة يطيب لي أن أزجي عظيم الشكر والامتنان لرئيس جامعة عبد المالك السعدي بتطوان الدكتور بوشتى المومني خلفاً للمغفور له الدكتور محمد الرامي (رحمه الله) ولسعادة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان الرائدة في البحث العلمي بفضل جهوده الحثيثة المتواصلة أد. مصطفى الغاشي، ولرئيس شعبة اللغة العربية أد. مولاي أحمد الريسوني وأستاذنا الفاضل رئيس اللجنة العلامة سيدي ابراهيم ايمونن، والأستاذ الجليل سيدي عبد الكريم المرابط الطرماش الذي كان نائباً عن أستاذي المشرف ـ نظرا لالتزاماته العلمية خارج المغرب -، والأستاذ البحاثة المدقق سيدي النعمة علي ماء العينين الذي تحمل وعناء ووعثاء السفر من الديار السوسية العالمة، والأستاذ اللبيب سيدي محمد شرايمي على التنقل وفحص وتقويم وتقييم الأطروحة وإبداء رأيهم السديد المفيد، كما أثمن ما جاء في كل المداخلات من النصائح والتوجيهات التي تنم عن حس مسؤول بعظم البحث العلمي الأكاديمي وبقدره وعظمته، وأعتبرها تاجاً يكلل جهودي العلمية.

والشكر موصول لأستاذي الفاضل سفير الزاوية الوزانية مولاي الطيب الوزاني الشاهدي (حفظه الله) الذي شرفت بإشرافه على رسالتي العلمية – ومشاركته في أبحاث علمية منها ما هو منشور ومنها من سيرى النور في القادم من الأيام – وساهم بجهوده النبيلة من أجل وصولي إلى هذه الدرجة العلمية… فلم أجد فيه إلا الاستاذ المعين والأخ النصوح وكان بيته دوماً مفتوحاً لي ولطلبة العلم، وهذا ليس غريباً على إخواننا الشرفاء الوزانيين لطيب أصلهم وصفاء معشرهم وتبقى كلماتي قاصرة عن شكرهم فجزاه الله عنا خير الجزاء ولأسرته الصغيرة والكبيرة، والشكر موصول أيضاً للعميد السابق لكلية الآداب بتطوان الدكتور البحاثة سيدي محمد اليملاحي الوزاني وسيدي محمد بن الحاج امحمد الوزاني الشاهدي ناظر اوقاف الزاوية الوزانية بمدينة فاس ونواحيها وشيخ الطريقة والحقيقة مولاي أحمد حيدرة لتواصلهم الدائم معي، ولكل من وقف بجانبي وكان سندي وكل من ساعد في إخراج هذا العمل كتابة وأخص بالذكر الأخت النبيهة عزيزة، وإلى الأسرة الصغيرة والكبيرة داخل المغرب وخارجه. وإلى كل من هنأنا من الأصدقاء الأوفياء والزملاء مباشرة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي فجزاهم الله خير الجزاء، ولهم مني خالص المودة والتقدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى