النيجر إلى الواجهة من جديد .. هل تنجح موريتانيا فى إعادة الهدوء لدول الساحل؟

كان أكثر من لافت تهو مشهد توافد القادة الأفارقة على العاصمة انواكشوط خلال الأيام الأخيرة (ثلاث قمم فى خمسة أيام)، وكان لافتا كذلك تعدد الملفات المطروحة على طاولة النقاش بين رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى وكبار ضيوفه، من أزمة النيجر فى عمق الساحل والصحراء، إلى النقل عبر دول القارة (الجوى والبحرى)، وكا ملف الغاز والمحيط والأمن.

لايميل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى إلى الحديث عن الدور الطلائعى للبلاد داخل الساحة الإفريقية منذ توليه مقاليد الحكم، ويمارس مهامه الداخلية والخارجية بهدوء، معتمدا سياسة تصفير المشاكل مع المحيط العربى والإفريقى، وهو مانجح فيه بشكل كامل خلال أربع سنوات من توليه مقاليد الرئاسة بالجمهورية الإسلامية الموريتانية.

لم يقبل رئيس الجمهورية – وهو محق فى ذلك- أن تكون موريتانيا ضمن دول الحصار المفروض على الشعب المالى، بعد إنقلاب الجيش على السلطة، ولكنه لم يتردد فى إدانة الوصول للسلطة عبر طرق غير دستورية، وظل معنيا بملف الأمن فى الجوار القريب، رغم كل المشاكل التى عاشتها مالى مع الأفارقة وفرنسا والأمم المتحدة، لكن ظل الرئيس الإنتقالى بجمهورية مالى قاسم كويتا على موقفه المهادن لموريتانيا، بل والمتودد لها، لمعرفته بحكم الحاجةالمشتركة لتسيير الأمور بقدر كبير من العقلانية، بينما كانت الشعارات الغوغائية ترفع فى وجه النمر الفرنسى المنهار، وخطوط التعاون تتعزز مع دول أخرى كروسيا وتركيا، لتعويض الفراغ الكبير الذى شكله انسحاب القوات الأممية من الشمال المالى.

وفى النيجر أدان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى الإنقلاب، وهاتف صديقه المطاح به أكثر من مرة، وضغط من أجل تأمين العلاج والغذاء له، وعدم التعرض له ولحراسه وعائلته بأي سوء، ورفض فى المقابل خطط الأفارقة الرامية إلى التصعيد العسكرى والحصار ضد النيجر. وأبقى على سفير موريتانيا يمارس أعماله بكل حرية ومسؤولية داخل بلد أنهارت الأوضاع فيه فجأة، وأطاح طموح ضباطه واختلاف أعراقه وانتشار الفساد فيه ، بالمنظومة الديمقراطية الهشة منذ عقود.

حمل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى رؤيته للمجموعة لأزمة النيجر، وأبلغ القادة الأفارقة فى أبوجا بتقديره للأوضاع، وقدم نصيحة حاول البعض – تحت الحماس والشعور بنشوة القوة العسكرية والموقف الخارجى – تجاوزها، ولكن مع مرور عدة أشهر، تأكد بالفعل لكل أصحاب القرار، بأن الإطاحة عسكرية بالحكام مكلف، وأن الضغط والحصار هو تجويع لشعب النيجر، وغير ضار أو مؤثر على ضباط يمتلكون السلطة ويتصرفون فى مقدرات البلاد الحيوية، بما يحقق لهم الإستمرار فى الحكم، ويضمن لعائلاتهم مايحتاجون إليه من النفوذ.

اليوم تعود الأطراف من جديد لطرق البوابة الأساسية للساحل، بغية حلحلة الملف، أو البحث عن أرضية مشتركة، ولايوجد مؤهل للقيام بدور الوسيط المقنع لكل الأطراف أكثر من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى، فهو الرافض للإنقلابات العسكرية بشكل مبدئى، والرافض أكثر لأي تدخل فى شؤون الدول، قد يحول إستقرارها إلى خراب، ويدفع بها إلى أتون الحرب الأهلية، ويعزز من إنقسام أبنائها حول السلطة والنفوذ.

يجزم مجمل المهتمين بالوضعية الحالية أن الحراك الذى تقوده موريتانيا قد يكون الخطوة المطلوبة إفريقيا، لبلورة رؤية مشتركة بين الإنقلابيين فى النجير ودول الحصار، والأطراف المجاورة المعنية بمستقبل استقرار النيجر وحكامتها السياسية.

يتحرك وزير الخارجية الموريتانى محمد سالم ولد مرزوك فى الدول المحيطة بالنيجر (الجزائر وليبيا) ولايستبعد أن يتواصل مع أنجامينا، رغم الخط المفتوح بين رئيسها ورئيس الجمهورية منذ فترة، وعقدهما لإجتماعات متقاربة من أجل بحث الأزمة وآلية التعامل معها، ومستقبل العلاقة بالحكام الجدد فى النيجر.

يرفض القصر الرئاسى بنواكشوط التعليق على الحراك الحالى، ويكتفى بنشر أخبار اللقاءات المتتالية للرئيس، وتشير الخارجية إلى جولة ولد مرزوك ذون خوض فى التفاصيل، لكن كل المعطيات المتاحة تشير إلى حراك إفريقي تقوده موريتانيا فى الوقت الراهن، بغية تأمين إطلاق سراح الرئيس السابق للنيجر محمد بازوم، وذهاب النخبة العسكرية الحاكمة إلى فترة انتقالية يرافقها المجتمع الدولى، بغية العودة بالبلاد إلى المسار الدستورى، مع إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والمحافظة على الإتفاقيات الدولية المبرمة مع بعض الشركاء، والعودة لمسار الإنخراط فى الحرب الإقليمية ضد الإرهاب والهجرة وتجارة المخدرات، فى ظل أوضاع عالمية يسودها القلق من تداعيات الحرب على غزة بعد الحرب الأوكرانية، والإرتفاع المحتمل لأسعار المواد الغائية وتضرر سلاسل التوريد العالمية، خصوصا عبر البحار، فى ظل مخاوف عالمية من انهيار الأمن بمنطقة الخليج من جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى