القبيلة والمجتمع المدني والقضاء والترتيب بالمقلوب!

نحن مجتمع مجاملٌ، نخبا وعامة، ويصعب أن ننظر إلى أي ملف بموضوعية وشمولية، والمبادرات والحلول تأتي عندنا دائما مقلوبة رأسا على عقب، وهذا ما بدأ يظهر الآن في ملف “حنفي ـ زين العابدين”، فالترتيب الصحيح كان يجب أن يكون على النحو التالي: 

القضاء  أولا

إن هذا الملف كان يجب أن يترك بشكل كامل للقضاء، فينال من مارس عنفا جسديا ضد صحفي أمام قناته ما يستحق من عقوبات، ويُنظر في الوقت نفسه لشكوى رجل الأعمال من الصحفي، فإن كان رجل الأعمال قد تعرض فعلا للقذف والإساءة دون بينة أو دليل، وتم تكرار ذلك عدة مرات، ثم مُنع بعد ذلك كله من حق الرد، ففي هذه الحال وجب إنصافه قضائيا، فهو أيضا مواطن يستحق أن تُحمى سمعته وعرضه.

المؤسسات المدنية ثانيا

كان من المفترض في حالة التفكير ـ لأي سبب كان ـ في حل الملف دون اللجوء إلى القضاء، أي تغليب الصلح على التقاضي، كان يُفترض في هذه الحالة أن تظهر دعوات الصلح من مؤسسات مدنية وهيئات نقابية لا من الأطر التقليدية (القبائل).

فكان الأولى أن تتولى مساعي الصلح النقابات الصحفية التي ينتسب لها أحد الأطراف، واتحاد أرباب العمل الذي ينتسب له الطرف الثاني.

الملاحظ أن هذه الهيئات ـ كغيرها من هيئات المجتمع المدني ـ تغيب دائما عن مثل هذه المساعي، ولا تسارع إلى إطلاق مبادرات للصلح عندما يتعرض أحد أعضائها للظلم أو يرتكب خطأ في حق الآخرين، تاركة بذلك فراغا كبيرا تستغله في العادة الأطر التقليدية، فتزيد هذه الأطر من نفوذها وحضورها في قضايا الشأن العام.

فلماذا لم نسمع بعد اعتداء رجل أعمال على صحفي عن لقاءات بين ممثلين عن أرباب العمل وآخرين من النقابات الصحفية،  بدلا من ترك مبادرة المساعي الحميدة للأطر التقليدية، أي لقبيلتي رجل الأعمال والصحفي؟

ولماذا تأخرت من قبل ذلك النقابات الصحفية بالتدخل عندما بدأ يدور الحديث عن رفض منح حق الرد لرجل الأعمال، إن صح ذلك الحديث، فتطالب تلك النقابات من  القناة المعنية بمنح حق الرد لرجل الأعمال.

من المهم جدا أن تُدافع النقابات عن أعضائها عندما يتعرضون للظلم، ويتأكد الأمر بالنسبة للنقابات الصحفية، فالصحفيون هم الأكثر تعرضا للمخاطر بسبب طبيعة عملهم، خصوصا منهم أولئك الذين يهتمون بكشف الفساد، ولكن من المهم كذلك أن لا يتوقف تدخل النقابات والروابط الصحفية على التضامن والمؤازرة عندما يتعرض الصحفي للظلم، بل يجب أن يشمل ذلك التدخل النصح والتوجيه لتصحيح الأخطاء، إن كانت هناك أخطاء، كأن يظهر مثلا أن مؤسسة إعلامية أو صحفيا ما قد أخطأ في حق آخرين.

الأطر التقليدية ثالثا

في حالة عجز القانون عن حسم ملف ما، وفي حالة عجز هيئات المجتمع المدني عن إطلاق مبادرة صلح ناجحة، قد نقبل في هذه الحالة اللجوء إلى الحل الأسوأ، أي إدخال القبائل في قضايا الشأن العام من خلال إطلاق مبادرات مساعي الصلح بين شخصين ينتميان أو ينتسبان لهيئتين مدنيتين، فنحن وللأسف ما زلنا مجتمعا تقليديا تتمتع فيه القبائل بشيء من النفوذ يجب أن يُقضى عليه بحكمة وتدرج.

المشكلة  في هذا الملف، وفي ملفات أخرى، أن هرم التدخل كان مقلوبا، فالقبيلة كانت هي أول ما ظهر في هذا الملف، والقضاء تأخر كثيرا في التعامل مع الملف، هذا إن كانت شكوى رجل الأعمال صحيحة. أما المؤسسات المدنية والهيئات النقابية، فهي غائبة تماما عن الملف، كما هو الحال بالنسبة لاتحاد أرباب العمل، أو اكتفت ـ في حالة ظهورها ـ  بدور المتضامن فقط، بعد تعرض أحد أعضائها للاعتداء، كما هو الحال بالنسبة للنقابات والروابط الصحفية.

حفظ الله موريتانيا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى