الشباب المعارض والمقعد الشاغر في الحوار / محمد الامين ولد الفاظل

طالعتُ بياناً موقعاً من طرف بعض القيادات الشبابية المعارضة ( 4 نواب + رئيس جزب غير مرخص + رئيس حركة شبابية)، أعلنوا من خلاله عن مقاطعتهم لما أسموه بالحوارات واللقاءات الصورية، وذلك بعد “اقتراح” رئيس الجمهورية للسياسي المخضرم موسى فال ليلعب دور “نقطة الربط” مع مختلف الطيف السياسي، سعيا لبلورة رؤية مشتركة للتحضير للحوار المنتظر، وذلك من خلال تحديد القضايا الجوهرية التي ستناقش، والمنهجية التي ستعتمد، وآليات التنظيم، ومتابعة تنفيذ المخرجات، ويمكن إضافة نقطة أخرى إلى هذه النقاط الأربع من طرف المعنيين بالحوار، حسب ما جاء في كلمة الرئيس التي ألقاها على هامش الإفطار الذي نظمه بهذه المناسبة.

يظهر من كلمة الرئيس أنه جاد في دعوته للحوار، والذي كان قد التزم به في برنامجه الانتخابي، حتى وإن كان الهدف من هذا الحوار الذي يأتي في بداية مأمورية، وفي ظل غياب أي ضغط احتجاجي للمعارضة، ما زال غامضا  لدى الكثير من المهتمين بالشأن العام.

ويظهر أيضا من كلمته بأنه يسعى بالفعل لإنجاح هذا الحوار، وذلك من خلال التمهيد له بشكل مختلف عن كل الحوارات السابقة، ولذا فقد أعلن عن “نقطة ربط” سيتولى إدارتها السياسي المخضرم موسى فال هدفها بلورة رؤية تحضيرية للحوار، وذلك من خلال استقبال التصورات والمقترحات القادمة من مختلف القوى السياسية، وصياغتها وإيصالها لرئيس الجمهورية، ثم إعادتها لجميع الأطراف بعد أن تتم حوصلتها للموافقة عليها من قبل اعتمادها  بشكل نهائي.

من المهم الإشارة هنا، إلى أن كل ما يجري الحديث عنه حاليا لا يتعلق بالحوار، وإنما يتعلق فقط بالتحضير له، ولذا فلم يكن من الحكمة ـ حسب وجهة نظري ـ الإعلان عن مقاطعة الحوار في مثل هذا الوقت، من طرف بعض الشباب المعارض، خاصة وإذا ما استحضرنا النقاط التالية:

1 ـ لدي قناعة شخصية بقدرة السياسي المخضرم موسى فال على إنجاز المهمة الموكلة إليه على أحسن وجه، والمتمثلة في استقبال المقترحات والتصورات وصياغتها وتقديمها لرئيس الجمهورية، تمهيدا للحوار، أقول ذلك لأني عرفتُ الرجل عن قرب في محطات سياسية عديدة خلال العقد المنصرم، وبناءً على تلك المعرفة فيمكنني أن أتوقع، إن لم أقل أجزم، بما يلي :

ا ـ أن السيد موسى فال لن يدخر جهدا في سبيل إنجاح المهمة الجسيمة الموكلة إليه، وهو سيسعى ـ بكل نزاهة وجدية ـ  لإنجاح الحوار، حتى يختم مساره السياسي المتميز بعمل سياسي متميز تذكره له الأجيال القامة، وسيكون ذلك ـ وبكل تأكيد ـ هو شغله الشاغل في المرحلة القادمة؛

ب ـ أن الانتماء الإيديولوجي للسيد موسى فال لن يكون له أي تأثير سلبي على المهمة التي كلف بها، فموسى يمتلك من الوعي والخبرة والنضج ما يكفي لأن يجعله يفرق بين المهام التي يجب أن تحضر فيها الإيديولوجيا، وتلك التي يجب أن تغيب عنها الأيديولوجيا بشكل كلي؛

ج ـ أن المرحلة العمرية للسيد موسى فال لن تكون عائقا في تعامله مع الشباب، وتفهم قضاياهم واهتماماتهم.

نعم، إني أتوقع كل ذلك لمعرفتي بالسيد موسى فال عن قرب، فقد جمعتني به لقاءات عديدة ونقاشات متشعبة ومشاريع وأنشطة سياسية مختلفة خلال العقد الماضي. ومع ذلك، ورغم قناعتي تلك، فإني أتفهم أيضا، وهذا ما لمسته من خلال بعض النقاشات التي أجريتها مع شخصيات سياسية معنية بالحوار من مختلف الأعمار والانتماءات الأيدولوجية، أتفهم تخوف البعض من أن يُهمش في الحوار القادم.

إني أتفهم تخوف بعض الشباب في المعارضة والموالاة من أن يُقصى الشباب في هذه المرحلة التمهيدية للحوار، وأتفهم كذلك تخوف بعض المنتمين لحركات إيديولوجية كانت ـ وربما ما تزال ـ على خلاف إيديولوجي مع الحركة التي ينتمي إليها موسى فال، أتفهم  تخوف أولئك من أن يهمشوا في فترة التحضير للحوار.

وأتفهم كذلك تخوف بعض الزملاء في المجتمع المدني من أن يقتصر الحوار القادم على السياسة وأهلها، وأن يُقصى المجتمع المدني من مختلف محطاته، سواء تعلق الأمر بلقاءات رئيس الجمهورية، أو بالمرحلة التمهيدية، أو عند الدخول في مرحلة الحوار الفعلي.

إني أتفهم كل هذه التخوفات، وهي تخوفات مشروعة، وبالأخص منها التخوفات الشبابية، ولكن التعبير عن هذه التخوفات المشروعة، يجب أن لا يكون بالتسرع في إصدار بيانات إعلان مقاطعة الحوار، كما فعل الشباب الموقعون على البيان المذكور أعلاه.

يعكس هذا البيان تسرعا لا يليق بمن يُمارس السياسة، والمقلق أنه ليس حالة فريدة من نوعها، فبعض الشباب المعارض لم يتمكن خلال الفترة الأخيرة من الاستقرار تحت عنوان واحد، بسبب التسرع في اتخاذ القرارات والمواقف دون دراسة، فبعض الشباب المعارض قد يظهر الآن في مشروع سياسي، ويظهر غدا في مشروع آخر، وبعد غد في مشروع ثالث، وهكذا، ولعل ما حدث من تحالفات خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، وفض تلك التحالفات، يعكس نماذج من التسرع، ويكشف عن عجز لدى الشباب المعارض في القدرة على خلق مشاريع سياسية مستقرة.

لقد بلغ الأمر ببعض الشباب المعارض إلى أن منح أحد المترشحين للانتخابات الرئاسية الماضية كل الصفات والألقاب السامية التي يمكن أن نتخيلها، ثم وصفه بعد أقل من شهر من ذلك بأبشع صفة يمكن أن يوصف بها سياسي، وهي صفة الخيانة!

وبما أننا هنا نتحدث عن ضرورة مشاركة الشباب المعارض في الحوار القادم، فلابد من التنبيه إلى أن المعارضة الموريتانية في عمومها تمر اليوم بمرحلة انتقالية صعبة، فقادتها التاريخيون لم يعلنوا انسحابهم رغم فقدانهم لثقلهم الشعبي و السياسي، وشبابها الذي سيحمل المشعل غدا، لم يستطع أن يخلق ـ حتى الآن ـ  أرضية مشتركة يجتمع عليها، ولا أن يؤسس لتحالفات قوية، فما زال بعض القادة الشباب في المعارضة يمارسون هواية الانتقال من هنا إلى هناك، ومن هناك إلى هنا، وذلك مما يؤكد أن الشباب المعارض لم يثبت حتى الآن أنه أصبح يمتلك الشرعية القيادية للتحدث باسم المعارضة.

ولأن المعارضة ما تزال تعيش مرحلة انتقالية، فقادتها التاريخيون فقدوا الشرعية الجماهرية، ومشاريع قادتها الشباب لم يثبتوا حتى الآن أنهم يمتلكون الشرعية القيادية، لهذا وذاك، فلابد من تمثيل شيوخ المعارضة وشبابها في الحوار المرتقب، وأي تغييب لأي منهما، سيعني تغييب بعض الطيف المعارض، وإذا كانت  من دعوة لتمييز إيجابي في هذا المجال، فيجب أن تكون لصالح الشباب، وذلك لأنه هو من يمثل المستقبل.

إن مسارعة بعض الشباب المعارض في إصدار بيان مقاطعة الحوار لم يكن موقفا سياسيا ناضجا، وكان الأنسب لمن أصدر ذلك البيان أن يطالب في بيانه بأن يمُثل الشباب  في “نقطة الربط”، بدلا من إعلان مقاطعة الحوار، وأن “يقترح” ذلك على رئيس الجمهورية.

ثم إن تبرير الشباب الموقعين على البيان مقاطعتهم للحوار بالإسهاب في نقد النظام وتعداد إخفاقاته يفتقد هو أيضا للنضج السياسي، فلو كان النظام بلا أخطاء كبيرة حسب وجهة نظر الموقعين على البيان، فلماذا تعارضونه أصلا؟

وتبقى نقطة أخيرة، من المهم أن نلفت إليها انتباه الشباب المعارض، وهي أن من أساسيات العمل السياسي التحرك في دائرة المتاح، والعمل على توسيع تلك الدائرة من خلال استغلال المتاح حاليا، فالمعارضة بشكلها الحالي غير قادرة على انتزاع مطالبها أو حتى بعض مطالبها من خلال تحريك الشارع، وكل المتاح أمامها الآن هو أن تعمل لانتزاع بعض تلك المطالب من خلال الحوار، ومن ذلك يظهر أن الإسراع في إصدار بيان مقاطعة الحوار لم يكن موقفا سياسيا ناضجا، والتلويح بترك المقعد الشبابي شاغرا في الحوار ستكون كلفته كبيرة على الشباب المعارض مستقبلا، ولن تختلف تلك الكلفة عن الكلفة التي ما زال يدفعها الشباب المعارض حتى يومنا هذا بسبب خطوة متسرعة أخرى اتُخِذَتْ ذات مساء من مساءات شهر فبراير من العام 2014  باسم حركة شبابية شغلت الميادين الاحتجاجية في تلك الفترة.

لقد كنتُ شاهدا على تلك الخطوة المتسرعة، وذلك القرار غير الناضج سياسيا، والذي تُرِك بموجبه المقعد الشبابي في أكبر تشكيلة معارضة فارغا، وما زال الشباب المعارض يدفع حتى اليوم كلفة ذلك القرار الخاطئ، وتلك قصة أخرى، سأفصلها تفصيلا في الجزء الثاني من سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، والذي سيخصص لنقد المعارضة، مع تقديم  الوصفة الطبية التي يمكن أن تخرج المعارضة من مستنقع فشلها المزمن.

حفظ الله موريتانيا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى