تصل براحة السيد الرئيس: محمد ولد الشيخ الغزواني/ أبي محفوظ

سيدي الرئيس:
إن أسس المنطق قد تبدو متغيرة قليلا وبزوايا مختلفة حسب أحوال الناظرين إليها، غير أن منطق الأشياء عصي على الاختلاف أو التضاد، أحرى التضارب.

استدعى هذه الخاطرة (الرسالة) أمر إعادة تعيين المفسدين في مناصب حساسة ملامسة لحياة الناس وربما الضعفاء منهم، ومحاولة صرف انظار التوجه العام إلى غير الاتجاه الصحيح، بطرح بعض النظريات والفروض غير الدقيقة؛ من قبيل التجربة ومن يملكها وغير المجرب…إلخ .

هنا نلفت نظرهم الكريم شيدي الرئيس إلى أنه: ليس من منطق العقل أن نحاول تغيير نواميس الكون، ولا مجريات الأمور؛ بما يختلف مع ضوابط الخير الذي أودعه الله في النفس البشرية على اختلاف مشاربها، ومعتقداتها وتوجهاتها، ولا يمكن ذلك في الأصل؛ فمن نقطتين مختلفتين يمر خط مستقيم ومستقيم واحد فقط. ويقول بعض فلاسفة الحياة : “إن الفلاح ليس بمالك ولا مستأجر، وإنما هو قن من أقنان الطبقة الظالمة في مجتمعه” وأريد بهذا؛ أن السلطة لا تتجزأ، وإنما هي “كُلٌّ” منقسم إلى أجزاء، وتؤدي هذه الأجزاء أدوارا تؤول إلى دور واحدا، وهذا الدور هو ما تتفرع عنه المسؤوليات، في تكامل وانسجام، وتشترك في المغنم والمغرم وفي نهاية غاياتها تكون الغاية النهائية قد تحققت أو لم تتحقق.

وإن الانحسار في الزاوية وعدم الانفتاح يعني عدم الجدية في التغيير، وكذلك فإن عدم التمييز بين من يجب الانفتاح عليهم يؤدي بالضرورة إلي إعادة تسخير نفس الوسائل لتحقيق نفس الغاية -ولو تغيرت الوجهة- ويعني ذلك تكرار نفس القدر من القدرة على التفاعل، ونفس القدرة على التفاعل والإنتاج، ونفس القدرة علي تجاوز المسافات، وفي النهاية ستكون النتيجة هي ذاتها، فلا منتجات جديدة تنتج، ولا خطوات أو مسافات في الاتجاه الصحيح قد قطعت بفعل القصد والحزم والجزم، إذا سلمنا جدلا بسلامة المنطلقات.

صحيح أن التوبة والأوبة يقبلهما الله جل في علاه؛ “وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون” لكن (للسابقة) دلالة، ويجب أن يكون لها أثر على الاختيار وفي التقدير، وهو المنطق الذي جعل التشريع الجنائي الوضعي يعتبر العود من الظروف المشددة.

فماذا يرجى من وراء تكرار التجربة، إذا لم تكن تجربة مرضِيّةُ النتائجِ، ومن ثم فماذا يرجى من إعادة تكليف من سبق تكليفُهُم بمهام في التسيير، إذا لم يكن أداؤهم مرضيا في الماضي، وأين هي العصا السحرية التي يتغير بها التسيير من دون تغيير الوسائل التي يسيّرُ بها، أو بتغيير الآليات والخطَطِ، وكذلك تغييرُ الطواقم البشرية المشرفة على تطبيق البرامج الإصلاحية بقصد التغيير؟ ثم هل كان الإصلاح يوما إلاَّ تَكامُلا بين عناصرٍ من أهمها؛ البرامج، والطواقم التنفيذية، والخطط البديلة، ومواجهَةُ الأخْطَار، واستغلالُ الفُرَصِ، وتشجيعُ النتائج المرضِيّة، وتغير الخطط الفاشلة، واستبدال الطواقم العاجزة وغَيْرُ ذاتِ الكفاءة؟

فبرأس نظام بكفاءات عالية، وبصدق منقطع النظير في توجهاته الإصلاحية؛ ماهي سبيله إلي ذلك من دون طواقم الإشراف والتسيير؟

والحكم يعني تسيير حياة الناس وأمنهم وأقواتهم، وسلامتهم وصحتهم ومناهجهم التعليمية ويعني الفصل في خصوماتهم وتسيير تضارب مصالحهم، وإقامة التوازن بين مراكزهم حين تستوى مميزاتهم… ولا ينتهى العجب من القول: إن الرئيس سيقوم بإصلاحات عميقة وهادفة، ومع ذلك يُمَكِّنُ لأدوات الهدم في نظام سابقه، إلا إذا كان يرى أن لديه قدرة على تغير مكامن الأنفس البشرية، والقضاء على نوازع الشر بداخلها، أو يرى أن سبب إعاقة التقدم الذي تسبب فيه سابقه كان من عمل فردي، أو يرى أن من كان قبله كان يسير على الطريق الصحيح.

ففي الفرضية الأولى: لا يمكن أبدا تصور ذلك إلا من خلال تسليط عقوبات رادعة على ضحية أو اثنتين تكونان عبرة لمن تسول له نفسه نهج منهج السابق، وعدم الأخذ بالاعتبارات التي كانت تحكم العلاقات مع الموظف من طرف معينه، إذا تأكدت خبرته وقدرته على تأدية ما أنيط به، أو تقزيم دوره حتى الإعدام، بحيث يصبح آلة في يد معينه الجديد، وهذا يقتضى خبرات وقدرات خارقة، تمكن الرئيس من القيام بكل شيء لوحده ودون الحاجة إلى مساعد، سواء كان المساعد مسيرا لقطاع (وزير) أو مستشارا أو منفذا (مدير)، إلى غير ذلك من المساعدين، وهو الأمر المستحيل عقلا، وإن سلمنا جدلا بوجوده فلن يسلم من الأخطاء الفادحة، التي تردي كل جهد في سبيل تحقيق الرخاء المنشود.

وفي الفرضية الثانية: نكون أمام نسخة من ما كان موجودا، مع تغيير شُخوصٍ ومراكزٍ قانونية، لا يُؤدي تغييرها إلا إلى استنساخ نسخة قد لا تكون -بالضرورة- أحسن ولا أكثر رداءة من سابقتها، بل ستكون محاولة لكسب أكبر وقت ممكن، لتفويت فرص على الأجيال القادمة من قبيل التأسيس على الأسس المتينة، وكالحيلولة دون محاسبة المذنبين، الذين أذنبوا في حقهم، أو تفويت فرص عليهم -على الأقل- في التقدم وتحقيق الرخاء من ثروات تكفيهم لذلك إذا سيرت.

وعلى الفرضيتان الأوليان؛ هل يكون الاصلاح ممكنا، بل هل يكون تصوره منسجما مع مسار الحياة ونواميس الكون؟ ولا يتصور أن أي عاقل قد يتصور مثل هذه التصورات، اللهم إلا إذا كان يعتقد باختلاف رأس السلطة عن صنفه من المخلوقات، ولا أنفي هنا إمكانية ذلك الاختلاف من حيث الأخلاق والتربية، ولا حتى من حيث التكوين واحراز المعارف والخبرات، إلا أن ذلك يبقى مقيدا في حدود الممكن، بحيث لا يتصور أن يتجاوز الممكن ولو تحاوز المتصور.

إن الأخلاق تفيد في التعامل مع مختلف الفئات البشرية، وتنفع وتعين في ممارسة السلطة، إذ؛ صاحب الأخلاق لن يكون مثل غيره، وستكون -حتما- أخلاقه رادِعًا ذاتيا؛ يحول دون ارتكاب الكثير من التجاوزات اللاأخلاقية، وتلك التي توصف بأنها محرمات، انطلاقا من أحكام الدين والقانون الاجتماعي (الاعراف)، وانطلاقا كذلك من القوانين الوضعية، وقد تكون الأخلاق جنة بين صاحبها والتردي في قيعان الرذيلة؛ كالسرقة وخيانة الأمانة والخداع والكذب وعدم الوفاء بالتعهدات، لكنها لن تكون درعا واقية من الإخلال بالالتزام، إلا إذا صاحبها الحزم الذي يدفع بصاحبه إلى البحث عن من يشترك معه ذات الصفات وذات التوجهات، ويشترك معه في الدوافع الذاتية وفي الرقيب الأخلاقي؛ذو الأصول التربوية والدينية، أو يشترك معه -على الأقل- الخشية من محاكمة المجتمع أو المحاكمة أمام القانون. وهذه الأخيرة لها علاقة وثيقة بالصرامة وبالتروي وبعد النظر، ولها علاقة خاصة بالشجاعة، حيث المؤثرات والمغريات والعواطف وحظوظ النفس الأخرى؛ كالمغالبة وحب الشهرة والتعالي، والانفراد بالرأي، إلى غير ذلك مما يكون جنة بين صاحبه والممارسة السليمة، تلك الممارسة التي تقود في النهاية إلى تحقيق الرفاه للشعوب، وتخلد ذكر القادة، وترفع أفكارهم وأقدارهم وأوطانهم وشعوبهم.

هنا لا أريد أن أخوض في ما يخوض فيه الآخرون اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي رغم قطع الانترنيت، ولكن الشيء بالشيء يذكر، وقد تذكرت الموضوع بفعل ما يتداوله بعض نشطاء هذا الفضاء، فأردت أن أذكر؛ والذكرى تنفع المؤمنين.

استشارة مجانية من مستشار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى